معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَلَعَلَّكَ بَٰخِعٞ نَّفۡسَكَ عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِمۡ إِن لَّمۡ يُؤۡمِنُواْ بِهَٰذَا ٱلۡحَدِيثِ أَسَفًا} (6)

قوله تعالى : { فلعلك باخع نفسك على آثارهم } من بعدهم { إن لم يؤمنوا بهذا الحديث } أي : القرآن { أسفاً } أي حزناً ، وقيل غضباً .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَلَعَلَّكَ بَٰخِعٞ نَّفۡسَكَ عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِمۡ إِن لَّمۡ يُؤۡمِنُواْ بِهَٰذَا ٱلۡحَدِيثِ أَسَفًا} (6)

{ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ } أي : مهلكها ، غما وأسفا عليهم ، وذلك أن أجرك قد وجب على الله ، وهؤلاء لو علم الله فيهم خيرا لهداهم ، ولكنه علم أنهم لا يصلحون إلا للنار ، فلذلك خذلهم ، فلم يهتدوا ، فإشغالك نفسك غما وأسفا عليهم ، ليس فيه فائدة لك . وفي هذه الآية ونحوها عبرة ، فإن المأمور بدعاء الخلق إلى الله ، عليه التبليغ والسعي بكل سبب يوصل إلى الهداية ، وسد طرق الضلال والغواية بغاية ما يمكنه ، مع التوكل على الله في ذلك ، فإن اهتدوا فبها ونعمت ، وإلا فلا يحزن ولا يأسف ، فإن ذلك مضعف للنفس ، هادم للقوى ، ليس فيه فائدة ، بل يمضي على فعله الذي كلف به وتوجه إليه ، وما عدا ذلك ، فهو خارج عن قدرته ، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله له : { إنك لا تهدي من أحببت } وموسى عليه السلام يقول : { رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي } الآية ، فمن عداهم من باب أولى وأحرى ، قال تعالى : { فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَلَعَلَّكَ بَٰخِعٞ نَّفۡسَكَ عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِمۡ إِن لَّمۡ يُؤۡمِنُواْ بِهَٰذَا ٱلۡحَدِيثِ أَسَفًا} (6)

ثم ساق - سبحانه - ما يسلى الرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من حزن بسبب إعراض المشركين عن دعوة الحق ، فقال - تعالى - : { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ على آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بهذا الحديث أَسَفاً } .

قال بعض العلماء ما ملخصه : اعلم - أولا - أن لفظة { لعل } تكون للترجى فى المحبوب ، وللإِشفاق فى المحذور . واستظهر أبو حيان أن { لعل } هنا للإِشفاق عليه صلى الله عليه وسلم أن يبخع نفسه لعدم إيمانهم .

وقال بعضهم إن { لعل } هنا للنهى . أى لا تبخع نفسك لعدم إيمانهم . . وهو الأظهر ، لكثرة ورود النهى صريحا عن ذلك ، قال - تعالى - : { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ . . } وقوله { باخع } من البخع ، وأصله أن تبلغ بالذبح البخاع - بكسر الباء - وهو عرق يجرى فى الرقبة . وذلك أقصى حد الذبح . يقال : بخع فلان نفسه بخعا وبخوعا . أى : قتلها من شدة الغيظ والحزن ، وقوله : { على آثارهم } أى : على أثر توليهم وإعراضهم عنك ، وقوله { أسفا } أى : هما وغما مع المبالغة فى ذلك ، وهو مفعول لأجله .

والمعنى : لا تهلك نفسك - أيها الرسول الكريم - هما وغما ، بسبب عدم إيمان هؤلاء المشركين . وبسبب إعراضهم عن دعوتك { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ وَعَلَيْنَا الحساب } و { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ولكن الله يَهْدِي مَن يَشَآءُ } قال الزمخشرى : شبهه - سبحانه - وإياهم حين تولوا عنه ولم يؤمنوا به ، وما داخله من الوجد والأسف على توليهم ، برجل فارقته أحبته وأعزته فهو يتساقط حسرات على آثارهم ؛ ويبخع نفسه وجدا عليهم ، وتلهفا على فراقهم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَلَعَلَّكَ بَٰخِعٞ نَّفۡسَكَ عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِمۡ إِن لَّمۡ يُؤۡمِنُواْ بِهَٰذَا ٱلۡحَدِيثِ أَسَفًا} (6)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَعَلّكَ بَاخِعٌ نّفْسَكَ عَلَىَ آثَارِهِمْ إِن لّمْ يُؤْمِنُواْ بِهََذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً * إِنّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرْضِ زِينَةً لّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً * وَإِنّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً } .

يعني تعالى ذكره بذلك : فلعلك يا محمد قاتلُ نفسك ومهلكها على آثار قومك الذين قالوا لك لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعا تمرّدا منهم على ربهم ، إن هم لم يؤمنوا بهذا الكتاب الذي أنزلته عليك فيصدّقوا بأنه من عند الله حزنا وتلهفا ووجدا ، بإدبارهم عنك ، وإعراضهم عما أتيتهم به وتركهم الإيمان بك . يقال منه : بخع فلان نفسه يبخعها بَخْعا وبخوعا ومنه قول ذي الرّمة :

ألا أيّهَذَا الباخِعُ الوَجْدُ نَفْسَهُ *** لِشَيْءٍ نَحَتْهُ عَنْ يَدَيْهِ المَقادِرُ

يريد : نحّته فخفف .

وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله : باخِعٌ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة فَلَعَلّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ يقول : قاتل نفسك .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا مَعْمر ، عن قتادة ، مثله .

وأما قوله : أسَفا فإنّ أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : فلعلك باخع نفسك إن لم يؤمنوا بهذا الحديث غضبا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة إنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذا الحَدِيثِ أسَفا قال : غضبا .

وقال آخرون : جَزَعا . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى «ح » وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله أسَفا قال : جزَعا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

وقال آخرون : معناه : حزنا عليهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : أسَفا قال : حزنا عليهم .

وقد بيّنا معنى الأسف فيما مضى من كتابنا هذا ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وهذه معاتبة من الله عزّ ذكره على وجده بمباعدة قومه إياه فيما دعاهم إليه من الإيمان بالله ، والبراءة من الاَلهة والأنداد ، وكان بهم رحيما .

وبنحو ما قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق فَلَعَلّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الحَدِيثِ أسَفا يعاتبه على حزنه عليهم حين فاته ما كان يرجو منهم : أي لا تفعل .