تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَلَعَلَّكَ بَٰخِعٞ نَّفۡسَكَ عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِمۡ إِن لَّمۡ يُؤۡمِنُواْ بِهَٰذَا ٱلۡحَدِيثِ أَسَفًا} (6)

الآية 6 : وقوله تعالى : { فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا } كقوله{[11380]} في آية أخرى : { لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين } ( الشعراء : 2 ) أخبر أنه فاعل ما ذكر ، ولم يقل له : افعل ، أولا تفعل في هذا ، فيشبه أن يكون النهي ما ذكر في آية أخرى ، وهو قوله : { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات } ( فاطر : 8 )ولهذا قال بعض الناس : إن في قوله : { فلعلك باخع نفسك } نهيا عن الحُزن عليهم .

وعندنا ليس يخرج على النهي ولكن على التَّسَلِّي .

ثم اختلف في قوله : { إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا } في الأسف قال بعضهم : الأسف هو النهاية في الغضب كقوله : { فلما آسفونا انتقمنا منهم } ( الزخرف : 55 ) قال أهل التأويل : آسفونا : أغضبونا .

وقال بعضهم : الأسف هو النهاية في الحزن كقوله : { يا أسفى على يوسف } ( يوسف : 84 ) أي يا حزني .

ويحتمل أن يكون منه الحزن إشفاعا عليهم أن تَتْلَفَ أنفسهم في النار بتركهم الإيمان ، أو كانت نفسه تغضب عليهم بتركهم الإجابة والقول في الله سبحانه ، على ما قالوا فيه . وكلاهما يجوز : إذ إذا كان ذلك لله كادت نفسه تتلف حزنا عليهم إشفاقا منه ، أو كادت تتلف غضبا عليهم .

وفيه دلالة أنه لم يكون يقاتل الكفرة للقتل والإتلاف{[11381]} ، ولكن كان يقاتلهم ليلمسوا حتى{[11382]} كادت نفسه تتلف إشفاقا عليهم{[11383]} ؛ فلا يحتمل أن يكون يقاتلهم للقتل ، وفي القتل ترك الشفقة . ولكن كان يقاتلهم ليَضْطَرَّهُمُ القتال إلى الإسلام ، فيسلموا ، فلا يَهْلكُون .

وفيه تذكير للمسلمين وتنبيه من وجهين :

أحدهما : ما أخبر عن عظيم محل الذنوب في قلبه ؛ فلعل ذلك يؤذيه ، فيلحقهم اللعن كقوله : { إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله } الآية ( الأحزاب : 57 ) وفي ذلك زجر عن ارتكاب ما يسوؤه ويؤذيه .

والثاني : تعليم منه لأمته أن كيف يعاملون{[11384]} الكفرة وأهل{[11385]} المناكير منهم ؟ يقاتلونهم في الظاهر ، ويُضْمِرون الشفقة لهم في القلب على ما فَعَلَ بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاملهم .

وقوله تعالى : { بهذا الحديث أسفا } سَمََّى القرآن حديثا ، وهو ما قال { الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها } ( الزمر : 23 ) سماه بأَسَامٍ : قصصا وحديثا وذكرا وروحا وأمثالها{[11386]} .

والنهاية في الحزن والغضب للأنبياء أنفسهم ؛ تقوم لهذين . وأما غيرهم من الخلائق فلا تحتمل إلا لأحدهما : إذا كان الحزن ذهب الغضب وإذا كان جاء الغضب ذهب الحزن . فالأنبياء عليهم السلام هم المخْصُوصُُون بهذا .


[11380]:في الأصل و.م: وقال.
[11381]:في الأصل و.م: والتلف.
[11382]:في الأصل و.م: حيث.
[11383]:أدرج بعدها في الأصل و.م: وفيه.
[11384]:في الأصل و.م: يعامل.
[11385]:الواو ساقطة من الأصل.
[11386]:في الأصل و.م: وأمثاله.