قوله تعالى : { ولقد آتينا } . أعطينا .
قوله تعالى : { موسى الكتاب } . التوراة ، جملة واحدة .
قوله تعالى : { وقفينا } . وأتبعنا .
قوله تعالى : { من بعده بالرسل } . رسولا بعد رسول .
قوله تعالى : { وآتينا عيسى ابن مريم البينات } . الدلالات الواضحات وهي ما ذكر الله في سورة آل عمران والمائدة وقيل : أراد الإنجيل .
قوله تعالى : { وأيدناه } . وقويناه .
قوله تعالى : { بروح القدس } . قرأ ابن كثير القدس بسكون الدال والآخرون بضمها ، وهما لغتان مثل : الرعب والرعب ، واختلفوا في روح القدس ، قال الربيع وغيره : أراد الروح الذي نفخ فيه ، والقدس هو الله أضافه إلى نفسه تكريماً وتخصيصاً أي التي نفخ فيه نحو : بيت الله ، وناقة الله ، كما قال : ( فنفخنا فيه من روحنا ) وروح منه وقيل : أراد بالقدس الطهارة ، يعني الروح الطاهرة ، سمى روحه قدساً ، لأنه لم تتضمنه أصلاب الفحول ، ولم تشتمل عليه أرحام الطوامث ، إنما كان أمراً من أمر الله تعالى ، قال قتادة والسدي والضحاك : روح القدس جبريل عليه السلام وقيل : وصف جبريل بالقدس أي بالطهارة لأنه لم يقترف ذنباً ، وقال الحسن : القدس هو الله وروحه جبريل قال الله تعالى : { قل نزله روح القدس من ربك بالحق } وتأييد عيسى بجبريل عليهما السلام أنه أمر أن يسير معه حيث سار حتى صعد به الله إلى السماء . وقيل : سمي جبريل عليه السلام روحاً للطافته ولمكانته من الوحي الذي هو سبب حياة القلوب ، وقال ابن عباس ، وسعيد بن جبير : روح القدس هو اسم الله تعالى الأعظم به كان يحيي الموتى ويرى الناس به العجائب ، وقيل : هو الإنجيل جعل له روحا كما جعل القرآن روحا لمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه سبب لحياة القلوب وقال الله تعالى : ( وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ) فلما سمع اليهود ذكر عيسى عليه السلام قالوا : يا محمد لا مثل عيسى كما تزعم عملت ، ولا كما يقص علينا من الأنبياء فعلت ، فأتنا بما أتى به عيسى إن كنت صادقا .
قوله تعالى : { أفكلما جاءكم } . يا معشر اليهود .
قوله تعالى : { رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم } . تكبرتم وتعظمتم عن الإيمان .
قوله تعالى : { ففريقاً } . طائفة .
قوله تعالى : { كذبتم } . مثل عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم .
قوله تعالى : { وفريقا تقتلون } . أي قتلتم مثل زكريا ويحيى وشعيا وسائر من قتلوا من أنبياء عليهم السلام .
{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ }
يمتن تعالى على بني إسرائيل أن أرسل لهم كليمه موسى ، وآتاه التوراة ، ثم تابع من بعده بالرسل الذين يحكمون بالتوراة ، إلى أن ختم أنبياءهم بعيسى ابن مريم عليه السلام ، وآتاه من الآيات البينات ما يؤمن على مثله البشر ، { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ } أي : قواه الله بروح القدس .
قال أكثر المفسرين : إنه جبريل عليه السلام ، وقيل : إنه الإيمان الذي يؤيد الله به عباده .
ثم مع هذه النعم التي لا يقدر قدرها ، لما أتوكم { بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ } عن الإيمان بهم ، { فَفَرِيقًا } منهم { كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ } فقدمتم الهوى على الهدى ، وآثرتم الدنيا على الآخرة ، وفيها من التوبيخ والتشديد ما لا يخفى .
ثم ذكرهم - سبحانه - بعد ذلك بلون آخر من ألوان جناياتهم ، فقال تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى الكتاب وَقَفَّيْنَا . . . }
في هاتين الآيتين تذكير لبني إسرائيل بضرب من النعم التي أمدهم الله بها ثم قابلوها بالكفر والإِجرام .
والمراد بالكتاب الذي أعطاه الله لموسى التوراة ، فقد أنزلها عليه لهدايتهم ولكنهم حرفوها وبدلوها وخالفوا أوارمه وأولوها تأويلا سقيما .
ومعنى { وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بالرسل } أردفنا وأرسلنا من عبد موسى رسلا كثيرين متتابعين ، لإِرشاد بني إسرائيل ، وإخراجهم من الظلمات إلى النور .
يقال : قفا أثره يقفوه قفواً وقفواً ، إذا تبعه . وقفى على أثره بفلان إذا أتبعه إياه . وقفيته زيداً به : أتبعته إياه . واشتقاقه من : قفوته إذا أتبعت قفاه ، والقفا مؤخر العنق ، ثم أطلق على كل تابع ولو بعد الزمن بينه وبين متبوعه .
والرسل : جمع رسول بمعنى مرسل ، وقد أرسل الله - تعالى - رسلا بعد موسى - عليه السلام - : منهم : داود ، وسليمان ، وإلياس ، واليسع ، ويونس ، وزكريا ، ويحيى - عليهم الصلاة والسلام - .
فمن مظاهر نعم الله على بني إسرائيل ، أنه لم يكتف بإنزال الكتب لهدايتهم ، وإنما أرسل فيهم بجانب ذلك رسلا متعددين ، لكي يبشروهم وينذروهم ، ولكن بني إسرائيل قابلوا نعم الله بالجحود والكفران ، فقد حرفوا كتب الله ، وقتلوا بعض أنبيائه .
والمراد بالبينات في قوله : { وَآتَيْنَا عِيسَى ابن مَرْيَمَ البينات } الحجج والبراهين والآيات الدالة على صدقه وصحة نبوته ، فتشمل كل معجزة أعطاها الله لعيسى كإبراء الأكمة والأبرص ، وإحاء الموتى ، والإِخبار ببعض المغيبات ، وغير ذلك من المعجزات التي أيد الله بها عيسى - عليه السلام - .
وخص القرآن عيسى بالذكر لكونه صاحب كتاب هو الإِنجيل ، ولأن شرعه نسخ أحكاما من شريعة موسى - عليه السلام - .
وفي إضافة عيسى إلى أمه إبطال لما يزعمه اليهود من أن له أباً من البشر .
وقوله : { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ القدس } أي : قويناه مأخوذ من الأَيْدِ وهو القوة .
وروح القدس هو جبريل - عليه السلام - ، قال - تعالى - :
{ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القدس مِن رَّبِّكَ بالحق . . . } والإِضافة فيه من إضافة الموصوف إلى الصفة ، أي : الروح المقدس . ووصف بالقدس لطهارته وبركته . وسمى روحاً لمشابهته الروح الحقيقي في أن كلا منهما مادة لحياة البشر . فجبريل من حيث ما يحمل من الرسالة الإِلهية تحيا به القلوب . والروح تحيا به الأجسام .
أي : أننا أعطينا عيسى بن مريم الحجج الدالة على صدقه في نبوته وقويناه على ذلك كله بوحينا الذي أوحيناه إليه عن طريق جبريل - عليه السلام - .
ثم وبخ الله اليهود على أفعالهم القبيحة فقال : { أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تهوى أَنْفُسُكُمْ استكبرتم فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ } .
أي : أفكلما جاءكم يا بني إسرائيل رسول بما لا تحبه أنفسكم الشريرة استكبرتم عن اتباعه والإِيمان به وأقبلتم على هؤلاء الرسل ففريقاً منهم كذبتم ، وفريقاً آخر منهم تقتلونه غير مكتفين بالتكذيب :
وتهوى : من هوى إذا أحب " والهوى يكون في الحق ويكون في الباطل كما في هذه الآية .
واستكبرتم : تكبرتم ، والتكبر ينشأ عن الأعجاب بالنفس الذي هو أثر الجهل بها . وهو من الصفات التي متى تمكنت في النفس أوردتها المهالك ، وساقتها إلى سوء المصير .
وقدم تكذيبهم للرسل على قتلهم إياهم ، لأن التكذيب أول ما يصدر عنهم من الشر .
وعبر في جانب القتل بالفعل المضارع فقال : { تَقْتُلُونَ } ولم يقل قتلتم كما قال كذبتم ، لأن الفعل المضارع كما هو المألوف في أساليب البلاغة . يستعمل في الأفعال الماضية التي بلغت من الفظاعة مبلغاً عظيماً . ووجهه أن المتكلم يعمد بذلك الفعل القبيح كقتل الأنبياء ، ويعبر عنه بالفعل المضارع الذي يدل بحسب وضه على الفعل الواقع في الحال . فكأنه أحضر صورة قتل الأنبياء أمام السامع ، وجعله ينظر إليها بعينه ، فيكون إنكاره لها أبلغ ، واستفظاعه لها أعظم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.