الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَقَفَّيۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ بِٱلرُّسُلِۖ وَءَاتَيۡنَا عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِۗ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰٓ أَنفُسُكُمُ ٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ فَفَرِيقٗا كَذَّبۡتُمۡ وَفَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ} (87)

قوله : ( وَلَقَدَ آَتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ ) [ 86 ] .

لام ( لَقَدْ ) حيث وقعت لام تأكيد ، وقد تقع جواباً للقسم ، وعيسى( {[2873]} ) لا ينصرف لأنه أعجمي معرفة( {[2874]} ) .

وقيل : هو عربي من( {[2875]} ) " عَاسَهُ يَعُوسُهُ " إذا ساسه وقام عليه ولا ينصرف على هذا للتعريف والتأنيث .

( القُدُسُ ) أصله الطهر . وفيه لغة نادرة( {[2876]} ) وهي فتح القاف والدال( {[2877]} ) . والكتاب هو التوراة .

( وَقَفَّيْنَا ) : أردفنا وأتبعنا بعضهم بعضاً على منهاج( {[2878]} ) واحد ، وشريعة واحدة ، لأن كل من بعث بعد موسى صلى الله عليه وسلم إلى زمان( {[2879]} ) عيسى صلى الله عليه وسلم فإنما يأمر بني إسرائيل بلزوم التوراة والعمل بما فيها ، فلذلك قال : ( مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ) . أي : على منهاجه وطريقته .

ثم قال : ( وَءَاتَيْنَا عِيسَى ابنَ مَرْيَمَ البَيِّنَاتِ ) [ 86 ] .

ابتداء كلام آخر .

وأصل " قَفَوْت " من القَفَا " يقال : " قَفَوْتُ فُلاناً( {[2880]} ) " إذا صرت خلف قفاه( {[2881]} ) . " وَدَبَرْتُهُ " إذا صرت خلف دبره( {[2882]} ) .

والبينات التي أوتيها( {[2883]} ) عيسى عليه السلام هي إحياء الموتى وإبراء الأكمه وخلق الطير ، وغيره من الحجج والبينات( {[2884]} ) .

( وَأَيَّدْنَاهُ ) : قويناه وأعناه ونصرناه [ والأيد والأد ]( {[2885]} ) القوة( {[2886]} ) .

وقرأ ابن( {[2887]} ) محيصن : " وأيدناه " بالمد( {[2888]} ) .

و " روح القدس " : جبريل( {[2889]} ) . قاله قتادة والسدي والضحاك والربيع بن أنس( {[2890]} ) . وروي ذلك عن النبي [ عليه السلام ]( {[2891]} ) . وقاله ابن عباس( {[2892]} ) .

وقال ابن زيد : " هو الإنجيل سمي روحاً كما سمي القرآن روحاً ، فقال تعالى : ( أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنَ اَمْرِنَا )( {[2893]} )( {[2894]} ) .

ويرد هذا القولَ قولُه تعالى : ( إِذَاَيَّدتُّكَ بِرُوحِ القُدُسِ )( {[2895]} ) ، ثم قال تعالى : ( وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالاِنْجِيلَ )( {[2896]} ) . فدل هذا [ على ]( {[2897]} ) أن روح القدس غير الإنجيل/ . فإن حُمل على أنه أعيد للتأكيد كما قال : ( فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ( {[2898]} ) وَرُمَّانٌ )( {[2899]} ) ، وقال : ( مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ )( {[2900]} ) ، فهو وجه .

وروى الضحاك عن ابن عباس أنه قال : " روح القدس هو الاسم الذي كان يحيي به عيسى صلى الله عليه وسلم الموتى " ( {[2901]} ) .

وقال مجاهد : " القدس : الله جل ذكره ، وسمي جبريل روحاً لأنه كان بتكوين الله له( {[2902]} ) من غير ولادة كما سمي عيسى صلى الله عليه وسلم/ روحاً ، فقال : ( وَرُوحٌ( {[2903]} ) مِّنْهُ( {[2904]} ) )( {[2905]} )( {[2906]} ) .

وقال السدي : " القدس هنا البركة " ( {[2907]} ) .

وقال الربيع : " القدس هو الله( {[2908]} ) ، ويدل عليه قوله : ( المَلِكُ القُدُّوسُ )( {[2909]} )( {[2910]} ) . والقدوس والقدس واحد " ( {[2911]} ) . ورواه ابن وهب عن مجاهد أيضاً( {[2912]} ) .

قوله : ( أَفَكُلَّمَا ) [ 86 ] .

معناه : التقرير( {[2913]} ) والخبر ، ولفظه لفظ الاستفهام .


[2873]:- في ع3: موسى.
[2874]:- انظر: الإملاء 1/49.
[2875]:- في ع3: ممن وهو تحريف.
[2876]:- في ع2، ع3: ناذرة. وهو تصحيف.
[2877]:- والقدس بفتحهما. هو موضع بالشام من فتوح شرحبيل بن حسنة. انظر: اللسان 3/33.
[2878]:- في ع2: منها. وهو تحريف.
[2879]:- في ع2: زمن.
[2880]:- في ع3: فلان.
[2881]:- انظر: تفسير الغريب 57، وغريب القرآن 158، ومفردات الراغب 425، واللسان 3/141.
[2882]:- انظر: مفردات الراغب 166، واللسان 2/941.
[2883]:- في ع3: أرثيها.
[2884]:- انظر: هذا التوجيه في جامع البيان 2/318. وهو قول ابن عباس في تفسير القرطبي 2/24.
[2885]:- في ع2: والأد، وفي ع3: والأيد.
[2886]:- انظر: هذا الشرح في مجاز القرآن 1/45، وغريب القرآن 5، ومفردات الراغب 30.
[2887]:- في ق: بن. وهو خطأ.
[2888]:- وهي أيضاً قراءة أبي عمرو. انظر: المحتسب 1/95.
[2889]:- في ع2، ق، ع3: جبريل عليه السلام.
[2890]:- انظر: المحرر الوجيز 1/286، وتفسير القرطبي 2/24.
[2891]:- في ع3: صلى الله عليه وسلم.
[2892]:- انظر: تفسير القرطبي 2/24 وهو اختيار الطبري في جامع البيان 2/321-322.
[2893]:- الشورى آية 49.
[2894]:- انظر: المحرر الوجيز 1/286، وتفسير القرطبي 2/24.
[2895]:- المائدة آية 112.
[2896]:- المائدة آية 112.
[2897]:- سقط من ع1، ع2، ح، ق.
[2898]:- سقط حرف الواو من ق.
[2899]:- الرحمن آية 67.
[2900]:- البقرة آية 97.
[2901]:- انظر: المحرر الوجيز 1/286، وتفسير القرطبي 2/24، والدر المنثور 1/213.
[2902]:- سقط من ع3.
[2903]:- في ع3: روحا.
[2904]:- قوله: "وقال مجاهد روح منه" ساقط من ق.
[2905]:- النساء آية 170.
[2906]:- انظر: معناه في جامع البيان 2/322 وقد نسبه القرطبي في تفسيره 2/24 إلى النحاس.
[2907]:- انظر: المحرر الوجيز 1/287، وتفسير ابن كثير 1/123.
[2908]:- سقط لفظ الجلالة "الله" من ع3.
[2909]:- الحشر آية 23.
[2910]:- الحشر آية 23.
[2911]:- انظر: المحرر الوجيز 1/287، وتفسير ابن كثير 1/123.
[2912]:- وفي تفسير القرطبي 2/24، رواية غالب بن عبد الله عن مجاهد.
[2913]:- في ع1، ق: التقدير.