فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَقَفَّيۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ بِٱلرُّسُلِۖ وَءَاتَيۡنَا عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِۗ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰٓ أَنفُسُكُمُ ٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ فَفَرِيقٗا كَذَّبۡتُمۡ وَفَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ} (87)

الكتاب : التوراة ، والتقفية : الإتباع ، والإرداف ، مأخوذة من القفا ، وهو مؤخر العنق ، تقول : استقفيته : إذا جئت من خلفه ، ومنه سميت قافية الشعر ؛ لأنها تتلو سائر الكلام . والمراد : أن الله سبحانه أرسل على أثره رسلاً جعلهم تابعين له ، وهم أنبياء بني إسرائيل المبعوثون من بعده . و { البينات } الأدلة التي ذكرها الله في " آل عمران " ، و " المائدة " . والتأييد : التقوية . وقرأ مجاهد وابن محيصن : { آيدناه } بالمدّ ، وهما لغتان . وروح القدس من إضافة الموصوف إلى الصفة : أي : الروح المقدّسة . والقدس : الطهارة ، والمقدّس : المطهر ، وقيل : هو : جبريل أيد الله به عيسى ، ومنه قول حسان :

وَجِبرِيل أمِينُ الله فينا *** وَرَوحُ القُدسِ لَيْس بِه خَفَاءُ

قال النحاس : وسمي جبريل روحاً ، وأضيف إلى القدس ؛ لأنه كان بتكوين الله له من غير ولادة . وقيل : القدس ، هو الله عز وجل ، وروحه : جبريل ، وقيل المراد بروح القدس : الاسم الذي كان عيسى يحيى به الموتى ، وقيل المراد به الإنجيل . وقيل : المراد به الروح المنفوخ فيه ، أيده الله به لما فيه من القوّة . وقوله : { بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُم } أي : بما لا يوافقها ، ويلائمها ، وأصل الهوى : الميل إلى الشيء . قال الجوهري : وسمي الهوى هوى ؛ لأنه يهوي بصاحبه إلى النار . وبخهم الله سبحانه بهذا الكلام المعنون بهمزة التوبيخ فقال : { أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ } منكم { بِمَا لاَ } يوافق ما تهوونه استكبرتم عن إجابته ، احتقاراً للرسل ، واستبعاداً للرسالة . والفاء في قوله : { أفكلما } للعطف على مقدّر ، أي : آتيناكم يا بني إسرائيل من الأنبياء ما آتيناكم ، أفكلما جاءكم رسول . وفريقاً منصوب بالفعل الذي بعده ، والفاء للتفصيل ، ومن الفريق المكذبين عيسى ومحمد ، ومن الفريق المقتولين يحيى وزكريا .

/خ88