التفسير الصحيح لبشير ياسين - بشير ياسين  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَقَفَّيۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ بِٱلرُّسُلِۖ وَءَاتَيۡنَا عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِۗ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰٓ أَنفُسُكُمُ ٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ فَفَرِيقٗا كَذَّبۡتُمۡ وَفَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ} (87)

قوله تعالى{ وآتينا عيسى ابن مريم البينات }

قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية : لم يبين هنا ما هذه البينات ولكنه بينها في مواضع أخر كقوله{ ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني اخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم }آل عمران49 . إلى غير ذلك من الآيات .

واخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن من طريق ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس{ ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى بن مريم البينات }أي الآيات التي وضع على يديه من إحياء الموتى وخلقه من الطين كهيئة الطير ، ثم ينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وإبراء الأسقام والخبر بكثير من الغيوب مما يدخرون في بيوتهم ، ومارد عليهم من التوراة مع الإنجيل الذي أحدث إليه ثم ذكر كفرهم بذلك كله .

صفة عيسى ابن مريم عليه السلام

تقدم ذكرها عند قوله تعالى{ وإذ واعدنا موسى }آية( 51 ) انه مربوع الخلق في الحمرة والبياض سبطا .

قوله تعالى{ وأيدناه بروح القدس }

أخرج ابن أبي حاتم عن أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل ثنا أبي ، ثنا أبي ثنا شبيب بن بشر ثنا عكرمة عن ابن عباس في قول الله{ أيدنا }يقول : قوينا .

ورجاله ثقات إلا أحمد وشبيب فصدوقان وشبيب يخطئ ولكن المتن لا يحتمل الخطأ بل تؤيده اللغة .

وقال الشيخ الشنقيطي : قوله تعالى{ وأيدناه بروح القدس }هو جبريل على الأصح ويدل لذلك قوله تعالى{ نزل به الروح الأمين }الشعراء : 193 الآية ، وقوله{ فأرسلنا إليها روحنا }الآية مريم : 17 .

أخرج ابن أبي حاتم عن احمد بن سنان الو اسطي ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان عن سلمة بن كهيل ثنا أبو الزهراء قال : قال عبد الله : روح القدس : جبريل . ثم قال : وروي عن محمد بن كعب القرظي وقتادة وعطية العوفي والسدي والربيع بن أنس وإسماعيل بن أبي خالد نحو ذلك .

ويؤيد هذا القول ما تقدم وما ورواه الشيخان بسنديهما عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف انه سمع حسان بن ثابت الأنصاري يستشهد أبا هريرة : أنشدك بالله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يا حسان أجب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، اللهم أيده بروح القدس " . قال : أبو هريرة : نعم .

( صحيح البخاري رقم453-الصلاة ، ب الشعر في المسجد ) ، ( وصحيح مسلم رقم 2485-فضائل الصحابة ، ب فضائل حسان بن ثابت ) . واللفظ للبخاري .

قوله تعالى{ أ فكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون }

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال : ومارد عليهم من التوراة مع الإنجيل الذي احدث الله إليه ثم ذكر كفرهم بذلك كله قال{ أ فكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون } .

قال البخاري : وقال يونس عن الزهري قال عروة قالت عائشة رضي الله عنها : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه : يا عائشة ، ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر ، فهذا أوان وجدت انقطاع ابهري من ذلك السم " .

( الصحيح4428- المغازي ، ب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته ) . وصله الحافظ ابن حجر بسنده عن أب بكر بن أبي داود ثنا احمد بن صالح ثنا عنبسة ثنا يونس به . ( تغليق التعليق 4/162 ) . وأخرجه الحاكم من طريق احمد بن صالح عن عنبسة به . وصححه ووافقه الذهبي

( المستدرك3/58 ) . وأخرجه الطبراني من حديث ابن عباس بنحوه وحسن إسناده الهيثمي( مجمع الزوائد9/35 ) . وقد تتبع الحافظ ابن حجر أغلب طرقه فقال : وهذا قد وصله البزار والحاكم والإسماعيلي من طريق عنبسة بن خالد عن يونس بهذا الإسناد . وقال البزار : تفرد به عنبسة عن يونس ، أي بوصله ، وإلا فقد رواه موسى بن عقبة في المغازي عن الزهري لكنه أرسله ، وله شاهدان مرسلان أيضا أخرجهما إبراهيم الحربي في

( غريب الحديث ) ، له احدهما من طريق يزيد بن رومان والآخر من رواية أبي جعفر الباقر ، وللحاكم موصول من حديث ام بشر ابن مبشر قالت قلت يا رسول الله ماتتهم بنفسك ؟ فإني لا أتهم بابني إلا الطعام الذي أكل بخيبر وكان ابنها بشر ابن البراء بن معرور مات ، فقال : وأنا لا أتهم غيرها . وهذا أوان انقطاع أبهري ، وروى ابن سعد عن شيخه الواقدي بأسانيد متعددة في قصة الشاة التي سميت له بخيبر ، فقال في آخر ذلك : وعاش بعد ذلك ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي قبض فيه . وجعل يقول : " ما زلت أجد ألم الأكلة التي أكلتها بخيبر عدادا حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري " عرق في الظهر وتوفى شهيدا . ا . ه .

( فتح الباري8131 ، وانظر تغليق التعليق 4/163 ، 162 ) .