{ ولقد آتينا موسى الكتاب } أي أعطيناه التوراة جملة واحدة مفصلة محكمة ، شروع في بيان بعض آخر من جناياتهم وتصديره بالجملة القسمية ، لإظهار كمال الاعتناء به { وقفينا من بعده بالرسل } أي أتبعنا ، والتقفية الإتباع والإرداف وهو أن يقفوا إثر الآخر مأخوذ من القفا وهو مؤخر العنق ، والمراد أن الله سبحانه أرسل على إثره رسلا جعلهم تابعين له وكانت الرسل من بعد موسى إلى زمن عيسى متواترة يظهر بعضهم في إثر بعض والشريعة واحدة ، وهم أنبياء بني إسرائيل المبعوثون من بعده كالشموئيل بن بابل وإلياس ومنشائل واليسع ويونس وزكرياء ويحيى وشعياء وحزقيل وداوود وسليمان وأرمياء وهو الخضر وعيسى ابن مريم ، فهؤلاء الرسل بعثهم الله وانتخبهم من أمة موسى وأخذ عليهم ميثاقا غليظا أن يؤدوا إلى أمتهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم وصفة أمته ، وكانوا يحكمون بشريعة موسى إلى أن بعث الله عيسى ، فجاءهم بشريعة جديدة وغير بعض أحكام التوراة فذلك قوله :
{ وآتينا عيسى ابن مريم البينات } أي الدلالات الواضحات ، وهي الأدلة التي ذكرها الله في آل عمران والمائدة ، وهي الآيات التي وضع على يديه من أحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وخلقه من الطين كهيئة الطير وإبراء الأسقام والإخبار بكثير من الغيوب ، وما ورد عليه من التوراة والانجيل الذي أحدث الله إليه ، وقيل هي الإنجيل ، واسم عيسى بالسريانية ايشوع ، ومريم بالسريانية بمعنى الخادم ثم سمي به فلذلك لم ينصرف ، وفي لسان العرب هي المرأة التي تكره مخالطة الرجال ، قال أبو السعود وهو بالعبرية من النساء كالزير من الرجال ، ووزنه مفعل إذا لم يثبت فعيل ، ذكر السيوطي في التحبير أن مدة ما بين موسى وعيسى ألف وتسعمائة سنة وخمس وعشرون سنة .
{ وأيدناه بروح القدس } التأييد التقوية ، وروح القدس من إضافة الصفة إلى الموصوف أي الروح المقدسة والقدس الطهارة والمقدس المطهر قيل هو جبريل ، قال ابن مسعود أيد الله به عيسى ، وسمي جبريل روحا وأضيف إلى القدس لأنه كان بتكوين الله له من غير ولادة ، وقيل القدس هو الله عز وجل وروحه جبريل وقيل المراد بروح القدس الاسم الذي كان يحيي به عيسى الموتى واسم الله الأعظم ، وقيل المراد به الإنجيل ، وقيل المراد به الروح المنفوخ فيه أيده الله به لما فيه من القوة وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم أيد حسان بروح القدس " وكان جبريل يسير مع عيسى حيث سافر فلم يفارقه حتى صعد به إلى السماء وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة .
{ أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم } أي بما لا يوافقها ويلائمها ، وأصل الهوى الميل إلى الشيء ، قال الجوهري وسمي الهوى هوى لأنه يهوي بصاحبه إلى النار ، وبخهم الله سبحانه بهذا الكلام المعنون بهمزة التوبيخ { استكبرتم } عن إجابته احتقارا للرسل واستعبادا للرسالة ، والسين زيادة للمبالغة { ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون } الفاء للتفصيل ومن الفرق المكذبين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ، ومن الفرق المقتولين يحيى وزكريا عليهما الصلاة والسلام وسائر من قتلوه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.