فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَقَفَّيۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ بِٱلرُّسُلِۖ وَءَاتَيۡنَا عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِۗ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰٓ أَنفُسُكُمُ ٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ فَفَرِيقٗا كَذَّبۡتُمۡ وَفَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ} (87)

{ وقفينا } وأتبعنا وأردفنا . { البينات } الحجج والدلالات .

{ أيدناه } قويناه . { روح القدس } جبريل .

{ تهوى } تحب .

{ ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل } الواو عاطفة على ما قبل واللام موطئة للقسم وقد للتحقيق وهذا القسم والتوكيد والتحقيق لمزيد من تثبيت جنايات بني إسرائيل الذين بعث الله تعالى فيهم كثيرا من أنبيائه المصطفين الأخيار وأنزل فيهم كتبا سماوية تهدي إلى الرشد فصد عنها الفجار ، فلقد أعطى ربنا سبحانه كليمه موسى عليه السلام التوراة فيها هدى ونور ، وأرسل من بعد موسى رسلا كثيرين يوحى إليهم من أمره ما فيه الخير والبر- إنما يعني جل ثناؤه في قوله { وقفينا من بعده بالرسل } أي اتفقنا بعضهم بعضا على منهاج واحد وشريعة واحدة لأن كل من بعثه الله نبيا بعد موسى صلى الله عليه وسلم إلى زمان عيسى ابن مريم فإنه بعثه يأمر بني إسرائيل بإقامة التوراة والعمل بما فيها والدعاء إلى ما فيها-{[342]} { وآتينا عيسى بن مريم البينات } . . أعطينا عيسى المعجزات وخوارق العادات حججا تدل على نبوته ومنها كما هو معلوم إحياء الموتى وخلقه من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وإبراء الأكمة والأبرص بإذن الله وإخبارهم إياه بإذن الله وما يدخرون في بيوتهم إلى غير ذلك . { وأيدناه بروح القدس } وقوينا عيسى وأعناه بعبدنا وأمين وحينا جبريل عليه السلام{[343]} . { أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون } تقريرا لما ارتكبه الإسرائيليون وإنكارا لما يرتكبون من تحكيم الهوى{[344]} فيما يسمعون مع أنه وحي الله فيما لا يسمعون وفي نعمه يتخوضون لكنهم كلما أرسل إليهم نبي بشيء لا يوافق ما يحبونه ويميلون إليه تأنفوا على النبي وما جاء به ، وتأبوا عن الاستجابة إليه واستبعدوا رسالته وقد يتجاوزون تكذيبه إلى قتله فقد كذبوا عيسى عليه السلام ومحمد صلوات الله عليهما وقتلوا يحيى وزكريا سلام الله عليهم .


[342]:ما بين العارضتين من جامع البيان.
[343]:نقل ابن جرير عن بن زيد وغيره أن المراد وقويناه ونصرناه بالإنجيل لكنه لم يرتض هذا القول ورده ثم قال فبين فساد قول من زعم أن الروح في هذا الموضوع الإنجيل وإن كان جميع كتب الله التي أوحاها إلى رسله روحا منه لأنها تحيا بها القلوب الميتة وتنعش بها النفوس المولية وتهتدي بها الأحلام الضالة وإنما سمى بها الله تعالى جبريل عليه السلام روحا وأضافه إلى القدس لأنه كان بتكوين الله له روحا من عنده من غير ولادة والد ولده فسماه بذلك روحا وأضافه إلى القدس والقدس هو الطهارة كما سمى بن مريم روحا لله من أجل تكوينه له روحا من عنده من غير ولادة والد ولده.ا. ه
[344]:وأصل الهوي الميل إلى الشيء وجمعه أهواء وسمي الهوى هوى لأنه يهوى بصاحبه إلى النار غالبا وأكثر ما يستعمل في الذي لا خير فيه ولا رشد ولا بر وهكذا يمكن أن يكون معناه في هذه الآية الكريمة وقد يستعمل في الحق ومنه قول عمر رضي الله عنه في أسارى بدر فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت. وقالت عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم في صحيح الحديث (والله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك) أخرجهما مسلم.