تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَقَفَّيۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِۦ بِٱلرُّسُلِۖ وَءَاتَيۡنَا عِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدۡنَٰهُ بِرُوحِ ٱلۡقُدُسِۗ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمۡ رَسُولُۢ بِمَا لَا تَهۡوَىٰٓ أَنفُسُكُمُ ٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ فَفَرِيقٗا كَذَّبۡتُمۡ وَفَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ} (87)

الآية 87 وقوله تعالى : { ولقد آتينا موسى الكتاب } يعني التوراة ، وهو ظاهر .

وقوله : { وقفينا من بعده بالرسل } وقيل { وقفينا } أردفنا ، وهو من القفا ؛ قفا يقفو ، وقيل : أتبعنا رسولا على إثر رسول{[1074]} كقوله :

{ فأتبعنا بعضهم بعضا } [ المؤمنون : 44 ] واحدا على إثر واحد .

وقوله : { وآتينا عيسى ابن مريم البينات } قيل : البينات الحجج ، وقيل : العجائب التي كانت تجري على يديه من خلق الطين ، وإحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص ، وإنباء ما يأكلون ، وما يدخرون ، وقيل : البينات الحلال والحرام .

ثم الرسل أنفسهم{[1075]} حجج فلم يحتج [ كل قول يقولون إلى أن يكون مصحوبا ]{[1076]} بدليل وبيان على صدقهم لأنهم أنفسهم حجة . وأما سائر الناس فليسوا بحجج ، فلا بد لكل قول يقولون أن يأتوا بدليل يدل على صدقهم وبيان يظهر الحق من الباطل والصواب من الخطإ والصدق من الكذب ، وبالله التوفيق .

[ وقوله : { وأيدناه بروح القدس } ؛ قوله : { وأيدناه } وقويناه . واختلف في قوله : { بروح القدس } ]{[1077]} قيل : روح القدس : جبريل . في الأصل : القدوس ، لكن طرحت الواو [ والتضعيف ]{[1078]} للتخفيف . وتأييده ، هو أن عصمه على حفظه حتى لم يدن منه شيطان فضلا أن يدنو لشيء{[1079]} والله أعلم .

وقيل : { وأيدناه بروح القدس } يعني بالروح روح الله . ووجه إضافة روح عيسى إلى الله عليه السلام [ تعظيما له وتخصيصا ]{[1080]} وذلك أن كل خاص أضيف{[1081]} إلى الله تعالى [ أضيف ]{[1082]} تعظيما لذلك الشيء وتفضيلا كما يقال لموسى : كليم الله ولعيسى : روح الله ولإبراهيم : خليل الله على التعظيم والتفضيل . وإذا أضيف الحمل إلى الله عز وجل فإنما يضاف تعظيما له عز وجل كقوله : { رب السماوات والأرض } [ الرعد : 16 و . . . ] ؛ أضيف [ ذلك إليه تعظيما وتنزيها ، والله الموفق .

والأصل في ذلك أن خاصية الأشياء إذا أضيف ذلك إليه أضيف تعظيما لتلك الخاصية ، وإذا أضيف ]{[1083]} حمل الأشياء إلى الله فهو يخرج على تعظيم الرب تعالى والتبجيل له .

وقوله : { أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون } في ظاهر هذه الآية أنهم كذبوا فريقا من الرسل ، وقتلوا فريقا منهم . ويقول بعض الناس : إنهم قتلوا الأنبياء ، ولم يقتلوا الرسل بقوله : { إنا لننصر رسلنا } [ غافر : 51 ] وبقوله : { إنهم لهم المنصورون } [ الصافات : 172 ] ؛ أخبر أنه ينصرهم ، ومن كان الله ناصره فهو لا يقتل ، [ منهم ]{[1084]} من يقول : إنهم قتلوا الرسل والأنبياء ؛ فنقول : يحتمل قوله : { إنا لننصر رسلنا } في رسول دون رسول ، فمن نصره الله فهو لم يقتل ، أو كان ما ذكر من النصرة لهم كان بالحجج في الآيات .

ثم في الآية ، دلالة رسالة محمد [ عليه أفضل الصلوات وأكمل التحيات ]{[1085]} ونبوته لأنه{[1086]} أخبرهم بتكذيب بعض الرسل وقتل بعضهم ، فسكتوا عن ذلك . فلولا عرفوا أنه رسول ، عرف ذلك بالله تعالى ، وإلا لم يسكتوا عن ذلك .


[1074]:- في النسخ الثلاث: رسول الله.
[1075]:- في ط م: في أنفسهم، في الأصل و ط ع: في أنفسهم حفظوا.
[1076]:- من ط م، في الأصل و ط ع: إلى كل قول يقولون بدليل.
[1077]:- في ط م والأصل: (وأيدناه) قويناه (بروح القدس) اختلف فيه، في ط ع: (وأيدناه بروح القدس) وقوله: (وأيدناه) قويناه، واختلف في قوله: (بروح القدس).
[1078]:- ساقطة من النسخ الثلاث.
[1079]:- من ط م، في الأصل و ط ع: بشيء.
[1080]:- في ط م: أن تكون أضيفت تعظيما له وتفضيلا.
[1081]:- من ط م، في الأصل و ط ع: يضيف.
[1082]:- من ط م.
[1083]:- من ط م.
[1084]:- من ط م.
[1085]:- في ط م: صلى الله عليه وسلم.
[1086]:- من ط م، في الأصل و ط ع: لأنهم.