قوله تعالى : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم } قرأ حمزة ويعقوب : أخفي لهم ساكنة الياء ، أي : أنا أخفي لهم ، ومن حجته قراءة ابن مسعود تخفي بالنون . وقرأ الآخرون بفتحها . { من قرة أعين } مما تقر به أعينهم ، { جزاءً بما كانوا يعملون } .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، أنبأنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا إسحاق بن نصر ، أنبأنا أبو أسامة عن الأعمش ، أنبأنا أبو صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله تبارك وتعالى أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ذخراً بله ما اطلعتم عليه ثم قرأ : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون } . قال ابن عباس هذا مما لا تفسير له . وعن بعضهم قال : أخفوا أعمالهم فأخفى الله ثوابهم .
وأما جزاؤهم ، فقال : { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ } يدخل فيه جميع نفوس الخلق ، لكونها نكرة في سياق النفي . أي : فلا يعلم أحد { مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ } من الخير الكثير ، والنعيم الغزير ، والفرح والسرور ، واللذة والحبور ، كما قال تعالى على لسان رسوله : " أعددت لعبادي الصالحين ، ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر "
فكما صلوا في الليل ، ودعوا ، وأخفوا العمل ، جازاهم من جنس عملهم ، فأخفى أجرهم ، ولهذا قال : { جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
وقوله - سبحانه - : { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ . . } بيان للعطاء الجزيل ، والثواب العظيم . أى : فلا تعلم نفس من النفوس سواء أكانت لملك مقرب ، أم لنبى مرسل ، ما أخفاه الله - تعالى - لهؤلاء المهتدين بالليل والناس نيام ، من ثواب تقر به أعينهم ، وتسعد به قلوبهم ، وتبتهج له نفوسهم . .
وهذا العطاء الجزيل إنما هو بسبب أعمالهم الصالحة فى الدنيا .
وهكذا نرى فى هذه الآيات الكريمة صورة مشرقة لعباد الله الصالحين ، وللثواب الذى لا تحيط به عبارة ، والذى أكرمهم الله - تعالى - به .
وقد ساق الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآيات ، عدداً من الأحاديث الواردة فى فضل قيام الليل ، منها ما رواه الإِمام أحمد " عن معاذ بن جبل - رضى الله عنه - قال : كنت مع النبى صلى الله عليه وسلم فى سفر ، فأصبحت يوماً قريباً منه . ونحن نسير ، فقلت : يا نبى الله ، أخبرنى بعمل يدخلنى الجنة ، ويباعدنى من النار . فقال : " لقد سألت عن عظيم ، وأنه ليسير على من يسره الله عليه ، تعبد الله ولا تشكر به شيئاً ، وتقيم الصلاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت . ثم قال : ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة ، وصلاة الرجل فى جوف الليل شعار الصالحين ، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم : { تتجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ المضاجع يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً } " " .
وعن أسماء بنت يزيد قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة ، جاء مناد فنادة بصوت يسمع الخلائق : سيعلم أهل الجمع اليوم من أولى بالكرم . ثم يرجع فينادى : ليقم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع " .
وعن أبى هريرة - رضى الله عنه - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله - تعالى - قال : " أعددت لعبادى الصالحين ، ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.