البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَلَا تَعۡلَمُ نَفۡسٞ مَّآ أُخۡفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعۡيُنٖ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (17)

وقرأ الجمهور : { ما أخفي لهم } ، فعلاً ماضياً مبنياً للمفعول ؛ وحمزة ، والأعمش ، ويعقوب : بسكون الياء ، فعلاً مضارعاً للمتكلم ؛ وابن مسعود : وما نخفي ، بنون العظمة ؛ والأعمش أيضاً : أخفيت .

وقرأ محمد بن كعب : ما أخفي ، فعلاً ماضياً مبنياً للفاعل .

وقرأ الجمهور : { من قرة } ، على الإفراد .

وقرأ عبد الله ، وأبو الدرداء ، وأبو هريرة ، وعوف العقيلي : من قرات ، على الجمع بالألف والتاء ، وهي رواية عن أبي جعفر والأعمش ؛ و { ما أخفي } يحتمل أن تكون موصولة ، وأن تكون استفهامية ، فيكون { تعلم } متعلقة .

والجملة في موضع المفعول ، إن كان { تعلم } مما عدى لواحد ؛ وفي موضع المفعولين إن كانت تتعدى لاثنين ، وتقدم تفسيره في { قرة عين } في الفرقان .

وفي الحديث ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : « أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، اقرأوا إن شئتم : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } » وقال ابن مسعود : في التوراة مكتوب على الله للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لا عين رأت ولا أذن سمعت إلى آخره .

{ ولا تعلم نفس } : نكرة في سياق النفي ، فيعم جميع الأنفس مما ادّخرا لله تعالى لأولئك ، وأخفاه من جميع خلائقه مما تقر به أعينهم ، لا يعلمه إلا هو ، وهذه عدة عظيمة لا تبلغ الأفهام كنهها ، بل ولا تفاصيلها .

وقال الحسن : أخفوا اليوم أعمالاً في الدنيا ، فأخفى الله لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت .

{ جزاء بما كانوا يعملون } ، وهو تعالى الموفق للعمل الصالح .

وقال الزمخشري : فحسم أطماع المتمنين .

انتهى ، وهذه نزغة اعتزالية .