الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَلَا تَعۡلَمُ نَفۡسٞ مَّآ أُخۡفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعۡيُنٖ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (17)

ثم قال تعالى : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } .

أي : ما خبئ لهؤلاء الذين تقدمت صفتهم في الآيتين مما تقر به أعينهم في الجنة جزاء بأعمالهم .

وقرأ ابن مسعود : " ما نخفي لهم " بالنون {[55130]} فهذا شاهد لقراءة حمزة {[55131]} بإسكان الياء {[55132]} فالقراءتان جرتا على {[55133]} الإخبار عن الله جل ذكره {[55134]} . و " ما " في موضع نصب ب " تعلم " إن جعلتها بمعنى الذي في جميع القراءات {[55135]}وإن جعلتها استفهاما كانت في موضع رفع على قراءة الجماعة {[55136]} وفي موضع نصب على قراءة حمزة وابن مسعود بأخفي {[55137]} .

وروى أبو هريرة : أن النبي صلى الله عليه [ وسلم ] {[55138]} " قرأ " ( من قرات أعين ) بالجمع " {[55139]} .

وروى أيضا عن النبي عليه السلام أنه قال : " قال ربكم : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب {[55140]} بشر ، فاقرؤوا إن شئتم فلا تعلم نفس ما أخفي ( لهم ) {[55141]} الآية {[55142]} .

وقال ابن مسعود : " مكتوب في التوراة : لقد أعد الله تبارك وتعالى للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لم تر / عين ، ولم يخطر على قلب بشر ، ولم تسمع أذن وما لا يعلمه ملك مقرب . قال : ونحن نقرؤها : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } {[55143]} .

وروى الشعبي عن المغيرة بن شعبة {[55144]} : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سأل موسى ربه فقال : أي رب أخبرني بأدنى أهل الجنة منزلة فقال : رجل أتى بعدما أنزل {[55145]} أهل الجنة منازلهم وأخذوا أخذاتهم فقيل له : ادخل الجنة ، فقال : أي رب ، وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم ، فقيل له : أترضى مثل ملك ملك من ملوك الدنيا ؟ قال : رضيت أي رب ، فقال : فإن لك ما اشتهت نفسك ، ومثله [ معه ] {[55146]} . ومثله ومثله إن رضيت ، فقال : رضيت أي رب ، قال فإن لك ما اشتهت نفسك ولذت عينك ، قال : أي رب فأخبرني بأعلى أهل الجنة منزلة ، فقال : أولئك الذين أردت وسوف أخبرك عنهم إني غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها ، ولم تدر نفس ولم تر أعين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر ومصداق ذلك في كتاب الله عز وجل {[55147]} { فلا تعلك نفس ما أخفي لهم } الآية {[55148]} .

وقيل : إن معنى الآية في ثواب الجهاد ، أي : لا تعلم نفس ما أخفي لها من ثواب الجهاد في سبيل الله ، ذكره ابن وهب عن رجاله .

قال سليمان ابن عامر {[55149]} : الجنة مائة درجة فأولها درجة من فضة ، أرضها فضة ومساكنها فضة ، وآنيتها فضة ، وترابها مسك ، والثانية ذهب ، وأرضها ذهب ، ومساكنها ذهب وآنيتها ذهب وترابها مسك ، والثالثة لؤلؤ ( و ) {[55150]} أرضها لؤلؤ ومساكنها لؤلؤ ، وآنيتها لؤلؤ وترابها مسك ، وسبعة وتسعون درجة بعد ذلك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، قال الله تعالى : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم } الآية {[55151]} .

وعن ابن سيرين {[55152]} أنه قال في الآية : إنه النظر إلى الله عز وجل {[55153]} .


[55130]:انظر: المختصر لابن خالويه 118، ومعاني الفراء 2/332، والمحرر الوجيز 13/37 والجامع للقرطبي 14/103، والبحر المحيط 7/202
[55131]:هو حمزة بن حبيب الزيات التيمي، أحد القراء السبعة أخذ القراءة عرضا عن سليمان الأعمش وعبد الرحمن بن أبي ليلى. روى عنه ابن المبارك، وثقه ابن معين والنسائي. توفي سنة 156 هـ انظر: غاية النهاية 1/261 وتقريب التهذيب 1/199، 564
[55132]:قرأ حمزة "أخفي" بإسكان الياء انظر: الكشف لمكي 2/191 والسبعة لابن مجاهد 516، والحجة لأبي زرعة 569، والحجة لابن خالويه 287، والتيسير للداني 177، والنشر لابن الجزري 2/347، وسراج القارئ 322، وغيث النفع 323
[55133]:أ "عن"
[55134]:انظر: الكشف لمكي 2/191
[55135]:ج "القراءات"
[55136]:قراءة الجماعة هي "أخفي" بفتح الياء. انظر: الكشف لمكي 2/191، والسبعة لابن مجاهد 516، والحجة لأبي زرعة 569 والنشر لابن الجزري 2/347
[55137]:انظر: هذا التعليل في الكشف لمكي 2/191
[55138]:ساقط من ج
[55139]:أخرجه ابن ماجه في سننه باب صفة الجنة 4328، وأورده الزجاج في معاني القرآن 4/207 وابن خالويه في المختصر 118، وابن جني في المحتسب 2/174
[55140]:ج "بقلب"
[55141]:مثبت في طرة (ج)
[55142]:أخرجه البخاري في صحيحه تفسير سورة السجدة 6/21. ومسلم في صحيحه كتاب الجنة وصفة نعيمها 8/143، والترمذي في سننه تفسير سورة السجدة 3249 وقال "هذا حديث حسن صحيح" وابن ماجه في سننه، باب صفة الجنة 4328 والحميدي في مسنده 1133، وكلهم رووه عن أبي هريرة.
[55143]:انظر: المستدرك للحاكم 2/414 ومجمع الزوائد للهيثمي: كتاب التفسير، تفسير سورة السجدة 7/93 والجامع للقرطبي 14/104، والدر المنثور 6/459، وتفسير ابن مسعود 2/494
[55144]:هو المغيرة بن شعبة الثقفي أبو عبد الله أحد دهاة العرب وولاتهم، صحابي، يقال له: مغيرة الرأي أسلم سنة 5 هـ. شهد الحديبية واليمامة وفتوح الشام ثم اليرموك والقادسية. ولاه عمر ابن الخطاب على البصرة ثم الكوفة توفي سنة 50 هـ انظر: أسد الغابة 4/471، 5064 والإصابة 3/452، 8179، وتقريب التهذيب 2/269، 1317
[55145]:ج "نزل"
[55146]:ساقط من ج
[55147]:انظر: المصدر السابق
[55148]:أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة 1/121، والترمذي في سننه 5/26، 3250 وقال: "هذا حديث حسن صحيح" والحميدي في مسنده 761، وابن كثير في تفسيره 3/462
[55149]:هو سليمان ابن عامر بن عمير الكندي المروزي، ثقة صدوق روى عن الربيع بن أنس وروى عنه إسحاق بن راهويه وإسحاق بن أنس، وذكره ابن حبان في الثقات توفي بعد 200 هـ انظر: تهذيب التهذيب 4/203، 342 وتقريب التهذيب 1/326، 455
[55150]:ساقط من ج
[55151]:انظر: جامع البيان 21/105 وتفسير ابن كثير 3/462، والدر المنثور 6/551
[55152]:هو أبو بكر محمد بن سيرين البصري الأنصاري بالولاء تابعي جليل، فقيه وراوية حديث. كان مولده بالبصرة وبها كانت وفاته سنة 110 هـ انظر: حلية الأولياء 2/263، 193 وصفة الصفوة 3/241، ووفيات الأعيان 4/81، 565
[55153]:انظر: الجامع للقرطبي 14/105