ولما ذكر تعالى جزاء المستكبرين ذكر جزاء المتواضعين بقوله عز من قائل : { فلا تعلم نفس } أي : من جميع النفوس مقربة ولا غيرها { ما أُخفي } أي : خبئ { لهم } أي : لهؤلاء المذكورين من مفاتيح الغيوب وخزائنها كما كانوا يخفون أعمالهم في الصلاة في جوف الليل وبالصدقة وبغير ذلك ، وقرأ حمزة بسكون الياء والباقون بالفتح .
ولما كانت العين لا تقر فتهجع إلا عند الأمن والسرور قال تعالى { من قرة أعين } أي : من شيء نفيس تقرّ به أعينهم لأجل ما أقلقوها عن قرارها بالنوم ، ثم صرح بما أفهمته فاء السبب بقوله تعالى : { جزاء } أي : أخفاها لهم لجزائهم { بما } أي : بسبب ما { كانوا يعملون } أي : من الطاعات في دار الدنيا . روى البخاري في التفسير عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «قال الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر قال أبو هريرة اقرأوا إن شئتهم { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم } الآية وعن ابن مسعود قال : «إنه لمكتوب في التوراة لقد أعد الله تعالى للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر ، ولا يعلم ملك مقرب ولا نبي مرسل وإنه لفي القرآن { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } .
وعن ابن عمر قال : إن الرجل من أهل الجنة ليجيء فيشرف عليه النساء فيقلن : يا فلان ابن فلان ما أنت بمن خرجت من عندها بأولى بك منا فيقول : ومن أنتن ؟ فيقلن : نحن من اللاتي قال الله تعالى : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون } وعن عامر بن عبد الواحد قال : بلغني أن الرجل من أهل الجنة يمكث في مكان سبعين سنة ، ثم يلتفت فإذا هو بامرأة أحسن مما كان فيه فتقول له : قد آن لك أن يكون لنا منك نصيب فيقول : من أنت فتقول : أنا مزيد ، فيمكث معها سبعين سنة ويلتفت فإذا هو بامرأة أحسن مما كان فيه ، فتقول : قد آن لك أن يكون لنا منك نصيب فيقول : من أنت فتقول : أنا التي قال الله تعالى { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } .
وعن سعيد بن جبير قال : يدخلون عليهم على مقدار كل يوم من أيام الدنيا ثلاث مرات معهم التحف من الله من جنات عدن ما ليس في جناتهم ، وذلك قوله تعالى : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } وعن كعب قال : سأصف لكم منزل رجل من أهل الجنة كان يطلب حلالاً ويأكل حلالاً حتى لقي الله تعالى على ذلك ، فإنه يعطى يوم القيامة قصراً من لؤلؤة واحدة ليس فيها صدع ولا وصل ، فيها سبعون ألف غرفة ، وأسفل الغرف سبعون ألف بيت كل بيت سقفه صفائح الذهب والفضة ليس بموصول ، ولولا أن الله تعالى سخر النظر لذهب بصره من نوره غلظ الحائط خمس عشر ميلاً وطوله في السماء سبعون ميلاً ، في كل بيت سبعون ألف باب يدخل عليه في كل بيت من كل باب سبعون ألف خادم لا يراهم من في هذا البيت ولا يراهم من في هذا البيت ، فإذا خرج من قصره سار في ملكه مثل عمر الدنيا يسير في ملكه عن يمينه وعن يساره ومن ورائه ، وأزواجه معه وليس معه ذكر غيره ومن بين يديه ملائكة قد سخروا له وبين أزواجه ستر ، وبين يديه ستر ووصاف ووصائف قد أفهموا ما يشتهي وما تشتهي أزواجه ، ولا يموت هو ولا أزواجه ولا خدّامه أبداً ، نعيمهم يزداد كل يوم من غير أن يبلى الأول ، وقرة عين لا تنقطع أبداً ، لا يدخل عليه فيه روعة أبداً .
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «والذي نفسي بيده لو أن أحد أهل الجنة رجل أضاف آدم فمن دونه فوضع لهم طعاماً وشراباً حتى خرجوا من عنده لا ينقصه ذلك شيئاً مما أعطاه الله » وعن سهل بن سعد قال : «بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصف الجنة حتى انتهى ثم قال : فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم قال : { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } الآيتين قال القرطبي : إنهم أخفوا عملاً وأخفى لهم ثواباً فقدموا على الله فقرت تلك الأعين ، وعن أبي اليمان قال : الجنة مائة درجة أولها درجة فضة وأرضها فضة ومساكنها فضة وآنيتها فضة وترابها المسك ، والثانية ذهب وأرضها ذهب ومساكنها ذهب وآنيتها ذهب وترابها المسك ، والثالثة لؤلؤ وأرضها لؤلؤ ومساكنها لؤلؤ وآنيتها لؤلؤ وترابها المسك وسبع وتسعون بعد ذلك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، وتلا هذه الآية { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } الآية .
وعن المغيرة بن شعبة يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن موسى عليه السلام سأل ربه فقال : أي : رب ، أي : أهل الجنة أدنى منزلة ؟ فقال : رجل يجيء بعدما دخل أهل الجنة الجنة فيقال له : ادخل فيقول كيف أدخل وقد نزلوا منازلهم وأخذوا أخذاتهم فيقال له : أترضى أن يكون لك مثل ما كان لملك من ملوك الدنيا فيقول : نعم أي : رب قد رضيت فيقال له : فإن لك هذا وعشرة أمثاله معه فيقول : قد رضيت أي رب فيقال له : فإن لك هذا وما اشتهت نفسك ولذت عينك فقال موسى : أي : رب فأي أهل الجنة أرفع منزلة ؟ قال : إياها أردت وسأحدثك عنهم ، إني غرست كرامتهم بيدي ، وختمت عليها فلا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر قال : ومصداق ذلك في كتاب الله { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.