معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ مَا عَلِمۡتُ لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرِي فَأَوۡقِدۡ لِي يَٰهَٰمَٰنُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجۡعَل لِّي صَرۡحٗا لَّعَلِّيٓ أَطَّلِعُ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُۥ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (38)

قوله تعالى : { وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين }يعني : فاطبخ لي الآجر ، وقيل : إنه أول من اتخذ الآجر وبنى به ، { فاجعل لي صرحاً } قصراً عالياً ، وقيل : منارة ، قال أهل السير : لما أمر فرعون وزيره هامان ببناء الصرح ، جمع هامان الفعلة حتى اجتمع خمسون ألف بناء سوى الأتباع والأجراء ، ومن يطبخ الآجر والجص وينجر الخشب ويضرب المسامير ، فرفعوه وشيدوه حتى ارتفع ارتفاعاً لم يبلغه بنيان أحد من الخلق ، أراد الله عز وجل أن يفتنهم فيه ، فلما فرغوا منه ارتقى فرعون فوقه وأمر بنشابة فرمى بها نحو السماء فردت إليه وهي ملطخة دماً ، فقال قد قتلت إله موسى ، وكان فرعون يصعد على البراذين ، فبعث الله جبريل جنح غروب الشمس فضربه بجناحه فقطعه ثلاث قطع فوقعت قطعة منها على عسكر فرعون فقتلت منهم ألف ألف رجل ، ووقعت قطعة في البحر وقطعة في المغرب ، ولم يبق أحد ممن عمل فيه بشيء إلا هلك ، فذلك قوله تعالى : { فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحاً } { لعلي أطلع إلى إله موسى } أنظر إليه وأقف على حاله ، { وإني لأظنه } يعني موسى ، { من الكاذبين } في زعمه أن للأرض والخلق إلهاً غيري ، وأنه رسوله .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ مَا عَلِمۡتُ لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرِي فَأَوۡقِدۡ لِي يَٰهَٰمَٰنُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجۡعَل لِّي صَرۡحٗا لَّعَلِّيٓ أَطَّلِعُ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُۥ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (38)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَأَيّهَا الْملاُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إِلََهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَهَامَانُ عَلَى الطّينِ فَاجْعَل لّي صَرْحاً لّعَلّيَ أَطّلِعُ إِلَىَ إِلََهِ مُوسَىَ وَإِنّي لأظُنّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ } .

يقول تعالى ذكره : وقال فرعون لأشراف قومه وسادتهم : يا أيّها المَلأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرِي فتعبدوه ، وتصدّقوا قول موسى فيما جاءكم به من أن لكم وله ربا غيري ومعبودا سواي ، فَأوْقِدْ لي يا هامانُ عَلى الطّينِ يقول : فاعمل لي آجرا ، وذُكر أنه أوّل من طبخ الّآجر وبنى به . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد فَأَوْقِدْ لي يا هامانُ عَلى الطّينِ قال : على المدَر يكون لَبِنا مطبوخا .

قال ابن جُرَيج : أوّل من أمر بصنعة الآجرّ وبنى به فرعون .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة فَأوْقِدْ لي يا هامانُ عَلى الطّينِ قال : فكان أوّل من طبخ الآجرّ يبني به الصرح .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قول الله ( فَأَوْقِدْ لي يا هامانُ عَلى الطينِ ) قال : المطبوخ الذي يوقد عليه هو من طين يبنون به البنيان .

وقوله : فاجْعَلْ لي صَرْحا يقول : ابن لي بالآجرّ بناء ، وكل بناء مسطح فهو صرح كالقصر . ومنه قول الشاعر :

بِهِنّ نَعامٌ بَناها الرّجا *** لُ يَحْسَبُ أعْلامَهُنّ الصّرُوحا

يعني بالصروح : جمع صرح .

وقوله : ( لَعَلّي أطّلِعُ إلى إلَهِ مُوسَى ) يقول : أنظر إلى معبود موسى ، الذي يعبده ، ويدعو إلى عبادته وإنّي لأظُنّهُ فيما يقول من أن له معبودا يعبده في السماء ، وأنه هو الذي يؤيده وينصره ، وهو الذي أرسله إلينا ، من الكاذبين ، فذكر لنا أن هامان بنى له الصرح ، فارتقى فوقه . فكان من قصته وقصة ارتقائه ما :

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : قال فرعون لقومه : يا أيّها المَلأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرِي ، فَأوْقِدْ لي يا هامانُ عَلى الطّينِ ، فاجْعَلْ لي صَرْحا لعلي أذهب في السماء ، فأنظر إلى إله موسى فلما بُنِي له الصرح ، ارتقى فوقه ، فأمر بُنّشابة فرمى بها نحو السماء ، فردّت إليه وهي متلطخة دما ، فقال : قد قتلت إله موسى ، تعالى الله عما يقولون .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ مَا عَلِمۡتُ لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرِي فَأَوۡقِدۡ لِي يَٰهَٰمَٰنُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجۡعَل لِّي صَرۡحٗا لَّعَلِّيٓ أَطَّلِعُ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُۥ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (38)

{ وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري } نفى علمه بإله غيره دون وجوده إذ لم يكن عنده ما يقتضي الجزم بعدمه ، ولذلك أمر ببناء الصرح ليصعد إليه ويتطلع على الحال بقوله : { فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى } كأنه توهم أنه لو كان لكان جسما في السماء يمكن الترقي إليه ثم قال : { وإني لأظنه من الكاذبين } أو أراد أن يبني له رصدا يترصد منه أوضاع الكواكب فيرى هل فيها ما يدل على بعثه رسول وتبدل دولة ، وقيل المراد بنفي العلم نفي المعلوم كقوله تعالى : { أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض } فإن معناه بما ليس فيهن ، وهذا من خواص العلوم الفعلية فإنها لازمة لتحقق معلوماتها فيلزم من انتفائها لك انتفائها ، ولا كذلك العلوم الانفعالية ، قيل أول من اتخذ الآجر فرعون ولذلك أمر باتخاذه على وجه يتضمن تعليم الصنعة مع ما فيه من تعظم ؛ ولذلك نادى هامان باسمه ب { يا } في وسط الكلام .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ مَا عَلِمۡتُ لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرِي فَأَوۡقِدۡ لِي يَٰهَٰمَٰنُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجۡعَل لِّي صَرۡحٗا لَّعَلِّيٓ أَطَّلِعُ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُۥ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (38)

واستمر فرعون في طريق مخرقته على قومه وأمره { هامان } بأن يطبخ له الآجر وأن يبني له { صرحاً } أي سطحاً في أعلى الهواء ، وليس الصرح إلا ما له سطح ، ويحتمل أن يكون الإيقاد على الطين كالبرامي{[9148]} ، وترجى بذلك بزعمه أن يطلع في السماء ، فروي عن السدي أنه بناه أعلى ما يمكن ثم صعد فيه ورمى بالنبل فردها الله تعالى إليه مخضوبة بالدم ليزيدهم عمى وفتنة ، فقال فرعون حينئذ : إني قتلت إله موسى .

ثم قال { وإني لأظنه من الكاذبين } يريد في أن موسى أرسله مرسل ، فالظن على بابه وهو معنى إيجاب الكفر بمنزلة التصميم على التكذيب .


[9148]:البراني: جمع برنية، وهي إناء واسع الفم من خزف أو زجاج ثخين. (المعجم الوسيط).