تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ مَا عَلِمۡتُ لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرِي فَأَوۡقِدۡ لِي يَٰهَٰمَٰنُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجۡعَل لِّي صَرۡحٗا لَّعَلِّيٓ أَطَّلِعُ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُۥ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (38)

{ وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين ( 38 ) واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون( 39 ) فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين( 40 )وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون( 41 ) وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين( 42 ) ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر الناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون( 43 ) }

المفردات :

الملأ : الأشراف وذوو الرأي .

من إله غيري : من رب يطاع ويذل ويعظم غيري .

هامان : أحد وزراء فرعون ، لعله وزير الصناعة ، أو العمل والعمال .

أوقد : أشعل النار على الطين شديدة قوية ، ليتحول إلى أجر ، فيكون أقوى في البناء .

صرحا : قصرا عاليا ، أو بناء شامخا .

التفسير :

38-{ وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين } .

كان بيان موسى واضحا ، وشرحه لصفات الإله مقنعا ، لكن فرعون خشي من تأثير كلام موسى ومن إيمان السحرة ، وتحديهم لكل عذاب في سبيل الإيمان .

وتفيد الآية ما يأتي :

قال فرعون مخاطبا أشراف قومه : ليس في علمي أن هناك إلها آخر لكم غير الفرعون الملك ، وهذه بقية عقائد فاسدة ، ترى الملك إلها ، أو حاول فرعون أن يستخف بعقول قومه فأعلن ألوهيته ، وأنكر وجود أي إله آخر ، قال تعالى : { فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين } [ الزخرف : 54 ] .

ومبالغة في استخفافه بعقول قومه تظاهر بأنه يريد البحث عن إله موسى ، فطلب من هامان أن يوقد النار على الطوب اللين ، ليتحول إلى آجر ، فيكون أقوى في البناء ، ثم يبني هامان من هذا الآجر قصرا عاليا ، أو بناء شامخا ، متجها نحو السماء ، حتى يصعد عليه الفرعون باحثا عن إله موسى صوب السماء .

ثم قال فرعون :

{ وإني لأظنه من الكاذبين }

أي : إني متيقن من كذب موسى ، لكني مبالغة في الإنصاف سأبحث عن إله موسى بنفسي ، وهي مبالغة في استخفافه بعقول المخاطبين ، وسير في طريق الكبرياء الكاذب ، والجبروت المفتعل ، وقريب من ذلك قوله تعالى : { فحشر فنادى*فقال أنا ربكم الأعلى } [ النازعات : 23 ، 24 ] .

لقد جمع قومه ونادى فيهم بصوته العالي مصرحا بأنه الرب الأعلى ، فأجابوه سامعين مطيعين ، ولهذا انتقم الله تعالى منه فجعله عبرة لغيره في الدنيا والآخرةxiv ، وقد جاء هذا المعنى في قوله تعالى : { وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب* أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا . . } [ غافر : 36 ، 37 ] .