التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ مَا عَلِمۡتُ لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرِي فَأَوۡقِدۡ لِي يَٰهَٰمَٰنُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجۡعَل لِّي صَرۡحٗا لَّعَلِّيٓ أَطَّلِعُ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُۥ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (38)

قوله تعالى : { وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ( 38 ) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ ( 39 ) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ( 40 ) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ ( 41 ) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ } .

هذه مقالة سوء تندلق من فم هذا المتجبر العُتُّل ، فرعون ، وهو يصرخ في قومه المأفونين المضللين المستخَفين أنه ليس ثم إله ! !

لقد أسرف هذا الشقي المقبوح إسرافا أفضى به إلى الانحدار في الأذلين ليكون أسفل سافلين ، وليكون يوم القيامة على رأس المجرمين والمنبوذين من شياطين الإنس بعد أن تفيض عليه أفواه المؤمنين في مختلف العصور والأجيال باللعائن وسوء الذكر . وكذلك الذين هم على شاكلة فرعون من طواغيت البشرية على مرّ الزمن . الذين يحكمون بغير ما أنزل الله ويدوسون الناس بالظلم والقهر والإذلال .

ولئن نفى فرعون وجود الله وأنكره صراحة مجاهرا بذلك على الملأ ؛ فإن بقية الطغاة وأكابر المجرمين من الساسة والحكام العتاة المتجبرين لا يجترئون على إنكار الله علانية وبمثل ذلكما الصلف والحماقة اللذين تلبس بهما فرعون . ولكنهم يتلبسون بظواهر شتى من أشكال الكفر والجحود والاستكبار/ وهم يسوسون الأمم والشعوب بشرائع الضلال والباطل وينبذون شرائع الله ومنهجه أشد نبذ ؛ بل ينظرون إلى منهج الله ودينه بمنظار التهكم والاستهتار والسخرية ويعلنون عليه الحرب الضروس بمختلف الأسباب والأساليب من التشويه والتشكيك واختلاق الأكاذيب والافتراءات والشبهات التي تسيء إلى دين الله وتثير في أذهان الناس –ومنهم الدارسون والمثقفون خاصة- النفور والاشمئزاز ، فضلا عن مخططات الكيد والخيانة والتآمر على الإسلام والمسلمين ؛ لإضعافهم وإذلالهم والتنكيل بهم أو إبادتهم أو تقتيل الدعاة إلى الله على هوى وبصيرة منهم ، أولئك جميعا وفرعون صنوان في المنبت والهوى ؛ فهم منبتهم الضلال والتكذيب والعماية وانغلاق القلوب والبصائر ، وهواهم الشهوات والملذات ومتاع الحياة الدنيا . أولئك جميعا جزاؤهم في الآخرة جهنم وبئس المصير ، وجزاؤهم في الدنيا أن تتفزز منهم الأجيال وتتعوذ من سوء صنيعهم وما فعلوه في البشرية وقيمها ومقوماتها من تدمير وتخريب وإفساد .

قوله : { وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي } فقد نفى فرعون علمه بإله غيره ، ولم ينف وجود إله ، إذ لم يجزم فرعون بالعدم كليا . فيكون المعنى : أن إلها غيري غير معلوم عندي . وذلك ظاهر اللفظ في الآية . وقيل : قصد بنفي علمه بإله غيره نفي وجوده . أما ما لكم من إله غيري .

قوله : { فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ } أمر فرعون وزيره هامان بالإيقاد على الطين ليطبخ له الآجر .

قوله : { فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى } أي ابن لي بالآجرُ قصرا شامخا منيفا ؛ لعلي أصعد إلى السماء فأجد إله موسى . وذلك منه استكبار ومعاندة وإفراط في الجحود والضلالة والاغترار ، وهو كذلك إيهان لنفسه وخداع لقومه الذين استخفهم ؛ إذ كانوا جميعا يتصورون إله موسى جسما موجودا في السماء . وذلك ظن الواهمين المضللين السخفاء .

قوله : { وَإِنِّي لأظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ } يجزم فرعون في مكابرة وعناد أن موسى كاذب في دعواه أن له إلها وأنه أرسله للناس رسولا وهاديا ومبلغا .