واعلم أن فرعون كان من عادته عند ظهور حجة لموسى أن يتعلق في دفع تلك الحجة بشبهة يروّجها على أغمار قومه فذكر ههنا أمرين : الأوّل قوله { ما علمت لكم من إله غيري } فكأنه استدل بعدم الدليل على عدم المدلول وهو خطأ من جهة أن الدليل على المدلول وهو وجود الصانع أكثر من أن يحصى ، ومن جهة أن عدم الدليل لا يستلزم عدم المدلول . وأما قوله { غيري } فقد تكلف له بعضهم أنه لم يرد به أنه خالق السموات والأرض وما فيهما فإن امتناع ذلك بديهي ، وإنما أراد به نفي الصانع والاقتصار على الطبائع وأنه لا تكليف على الناس إلا أن يطيعوا ملكهم وينقادوا لأمره . الثاني قوله { فأوقد لي يا هامان على الطين } وقد تكلفوا له ههنا أيضاً فقيل : إنه يبعد من العاقل أن يروم صعود السماء بآلة ، ولكنه أراد أنه لا سبيل إلى إثبات الصانع من حيث العقل كما مر ، ولا من حيث الحس فإن الإحساس به يتوقف على الصعود وهو معتذر ، وإلا فابن يا هامان مثل هذا البناء وإنما قال ذلك تهكماً . فبمجموع هذه الأشياء قرر أنه لا دليل على الصانع ، ثم رتب النتيجة عليه وهو قوله { وإني لأظنه من الكاذبين } يحتمل أن يريد لأعلمه من الكاذبين . والأكثرون من المفسرين على أنه بنى مثل هذا البناء جهلاً منه أو تلبيساً على ملئة حيث صادفهم أغبى الناس وأخلاهم من الفطن . يروى أن هامان جمع العمال حتى اجتمع منهم خمسون ألف بناء سوى الأجراء ، وأمر بطبخ الآجر والجص ونجر الخشب وضرب المسامير فشيدوه حتى بلغ مبلغاً لا يقدر الباني أن يقوم عليه ، فبعث الله جبريل عند غروب الشمس فضربه بجناحه فقطعت ثلاث قطع ، وقعت قطعة على عسكر فرعون فقتلت ألف ألف رجل . ووقعت قطعة في البحر ، وقطعة في المغرب ولم يبق أحد من عماله إلا قد هلك . وروي في القصة أن فرعون ارتقى فوقه فرمى بنشابة نحو السماء فأراد الله أن يفتنهم فردّت إليه وهي ملطوخة بالدم فقال : قد قتلت إله موسى ، فعند ذلك بعث الله جبرائيل لهدمه . قال أهل البيان : إن صح الحديث ردّ النشابة ملطوخة فقد تهكم به بالفعل كما ثبت التهكم بالقول في غير موضع . وإنما قال { فأوقد لي يا هامان على الطين } ولم يقل : اطبخ لي الآجر . لأن هذه العبارة أحسن ، ولأن فيه تعليم الصنعة ، وقد كان أوّل من عمل الآجر فرعون . عن عمر أنه حين سافر إلى الشام ورأى القصور المشيدة بالآجر قال : ما علمت أن أحداً بنى الآجر غير فرعون . والطلوع والأطلاع الصعود يقال : طلع الجبل واطلع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.