قوله تعالى : { أتأمرون الناس بالبر } . أي بالطاعة ، نزلت في علماء اليهود ، وذلك أن الرجل منهم كان يقول لقريبه وحليفه من المؤمنين إذا سأله عن أمر محمد صلى الله عليه وسلم : اثبت على دينه ، فإن أمره حق ، وقوله صدق . وقيل : هو خطاب لأحبارهم حيث أمروا أتباعهم بالتمسك بالتوراة ، ثم خالفوا وغيروا نعت محمد صلى الله عليه وسلم .
قوله تعالى : { وتنسون أنفسكم } . أي تتركون أنفسكم فلا تتبعونه .
قوله تعالى : { وأنتم تتلون الكتاب } . تقرؤون التوراة فيها نعته وصفته .
قوله تعالى : { أفلا تعقلون } . أنه حق فتتبعونه ، والعقل مأخوذ من عقال الدابة ، وهو ما يشد به ركبة البعير فيمنعه من الشرود ، فكذلك العقل يمنع صاحبه من الكفر والجحود .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أبو عمرو بكر بن محمد المزني ، أنا أبو بكر محمد بن عبد الله حفيد العباس بن حمزة ، أنا الحسين بن الفضل البجلي ، أنا عفان ، أنا حماد بن سلمة ، أنا علي بن زيد عن أنس ابن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " رأيت ليلة أسري بي رجالاً تقرض شفاههم بمقاريض من نار قلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء خطباء من أمتك ، يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا علي بن عبد الله ، أنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل قال : قال أسامة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه في النار ، فيدور كما يدور الحمار برحاه ، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون : أي فلان ! ما شأنك ؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر ؟ قال : كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه ، وأنهاكم عن المنكر وآتيه " وقال شعبة عن الأعمش : " فيطحن فيها كما يطحن الحمار برحله " .
{ أَتَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى البرّ الذي كان المخاطبون بهذه الآية يأمرون الناس به وينسون أنفسهم ، بعد إجماع جميعهم على أن كل طاعة لله فهي تسمى برّا . فروي عن ابن عباس ما :
حدثنا به ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أتأْمُرُونَ النّاسَ بالبرّ وَتَنْسَوْنَ أنْفُسَكُمْ وأنْتُمْ تَتْلُونَ الكِتابَ أفَلا تَعْقِلُونَ أي تنهون الناس عن الكفر بما عندكم من النبوّة والعهد من التوراة ، وتتركون أنفسكم : أي وأنتم تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسولي ، وتنقضون ميثاقي ، وتجحدون ما تعلمون من كتابي .
وحدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : أتأْمُرُونَ النّاسَ بالبرّ يقول : أتأمرون الناس بالدخول في دين محمد صلى الله عليه وسلم ، وغير ذلك مما أمرتم به من إقام الصلاة وَتَنْسَوْنَ أنْفُسَكُمْ .
حدثني به موسى بن هارون ، قال : حدثني عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أتأْمُرُونَ النّاسَ بالبِرّ وتَنْسَوْنَ أنْفُسَكُمْ قال : كانوا يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه وهم يعصونه .
وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : أتأمُرُونَ النّاسَ بالبِرّ وتَنْسَوْنَ أنْفُسَكُمْ قال : كان بنو إسرائيل يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه وبالبرّ ويخالفون ، فعيّرهم الله .
وحدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : قال ابن جريج : أتأْمُرُونَ النّاسَ بالبرّ أهل الكتاب والمنافقون كانوا يأمرون الناس بالصوم والصلاة ، ويدعون العمل بما يأمرون به الناس ، فعيّرهم الله بذلك ، فمن أمر بخير فليكن أشدّ الناس فيه مسارعة .
حدثني به يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : هؤلاء اليهود كان إذا جاء الرجل يسألهم ما ليس فيه حق ولا رشوة ولا شيء ، أمروه بالحقّ ، فقال الله لهم : أتأْمُرُونَ النّاسَ بالبرّ وتَنْسَوْنَ أنْفُسَكُمْ وأنْتُمْ تَتْلُونَ الكِتابَ أفَلا تَعْقِلُونَ .
وحدثني عليّ بن الحسن ، قال : حدثنا مسلم الحرمي ، قال : حدثنا مخلد بن الحسين ، عن أيوب السختياني ، عن أبي قلابة في قول الله : أتأْمُرُونَ النّاسَ بالبِرّ وتَنْسَوْنَ أنْفُسَكُمْ وأنْتُمْ تَتْلُونَ الكِتابَ قال : قال أبو الدرداء : لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشدّ مَقْتا .
قال أبو جعفر : وجميع الذي قال في تأويل هذه الآية من ذكرنا قوله متقارب المعنى لأنهم وإن اختلفوا في صفة البرّ الذي كان القوم يأمرون به غيرهم الذين وصفهم الله بما وصفهم به ، فهم متفقون في أنهم كانوا يأمرون الناس بما لله فيه رضا من القول أو العمل ، ويخالفون ما أمروهم به من ذلك إلى غيره بأفعالهم .
فالتأويل الذي يدلّ على صحته ظاهر التلاوة إذا : أتأمرون الناس بطاعة الله وتتركون أنفسكم تعصيه ، فهلا تأمرونها بما تأمرون به الناس من طاعة ربكم معيرهم بذلك ومقبحا إليهم ما أتوا به .
ومعنى نسيانهم أنفسهم في هذا الموضع نظير النسيان الذي قال جل ثناؤه : نَسُوا الله فَنَسِيَهُمْ بمعنى : تركوا طاعة الله فتركهم الله من ثوابه .
القول في تأويل قوله تعالى : وأنْتُمْ تَتْلُونَ الكِتابَ .
قال أبو جعفر : يعني بقوله : تَتْلُونَ : تدرسون وتقرءون . كما :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر ، عن أبي روق ، عن الضحاك عن ابن عباس : وأنْتُمْ تَتْلُونَ الكِتابَ يقول : تدرسون الكتاب بذلك . ويعني بالكتاب : التوراة .
القول في تأويل قوله تعالى : أفَلا تَعْقِلُونَ .
قال أبو جعفر : يعني بقوله : أفَلا تَعْقِلُونَ : أفلا تفقهون وتفهمون قبح ما تأتون من معصيتكم ربكم التي تأمرون الناس بخلافها وتنهونهم عن ركوبها وأنتم راكبوها ، وأنتم تعلمون أن الذي عليكم من حقّ الله وطاعته في اتباع محمد والإيمان به وبما جاء به مثل الذي على من تأمرونه باتباعه . كما :
حدثنا به محمد بن العلاء ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق عن الضحاك ، عن ابن عباس : أفَلا تَعْقلُونَ يقول : أفلا تفهمون فنهاهم عن هذا الخلق القبيح .
وهذا يدل على صحة ما قلنا من أمر أحبار يهود بني إسرائيل غيرهم باتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنهم كانوا يقولون هو مبعوث إلى غيرنا كما ذكرنا قبل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.