السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞أَتَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبِرِّ وَتَنسَوۡنَ أَنفُسَكُمۡ وَأَنتُمۡ تَتۡلُونَ ٱلۡكِتَٰبَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} (44)

{ أتأمرون الناس بالبرّ } أي : بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم في ذلك تقريع مع توبيخ وتعجيب ، والبرّ شرعاً التوسع في الخير من البرّ بالفتح وهو الفضاء الواسع يتناول كل خير ولذلك قيل : البر ثلاثة : برّ في عبادة الله ، وبر في معاملة الأقارب ، وبر في معاملة الأجانب { وتنسون أنفسكم } أي : تتركونها من البرّ كالمنسيات ، وقيل : كانوا يأمرون بالصدقة ولا يتصدّقون { وأنتم تتلون الكتاب } أي : التوراة وفيها الوعيد على العناد وترك البرّ ومخالفة القول العمل { أفلا تعقلون } سوء فعلكم فيصدّكم عنه ، أو فلا عقل لكم يمنعكم عما تعملون من عدم موافقة عاقبته لكم والآية ناعية على من يعظ غيره ولا يتعظ بنفسه بسوء صنيعه وخبث نفسه وإن فعله فعل الجاهل بالشرع أو الأحمق الخالي عن العقل فإنّ الجامع بين العلم والعقل يأبى عن كونه واعظاً غير متعظ نفسه ، والمراد بها حث الواعظ على تزكية النفس والإقبال عليها بالتكميل لها ليقوّم نفسه ثم يقوم غيره لا منع الفاسق عن الوعظ فإنّ الإخلال بأحد الأمرين المأمور بهما لا يوجب الإخلال بالآخر ، ولكن روي عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( رأيت ليلة أسري بي رجالاً تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الخطباء من أمّتك يأمرون الناس بالبرّ وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب ) وعن أسامة رضي الله تعالى عنه أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه أي : فتنقطع أمعاؤه في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون : أي فلان ما شأنك أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر ؟ قال : كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه ) وقال شعبة عن الأعمش : فيطحن فيها كطحن الحمار برحاه .