الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{۞أَتَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبِرِّ وَتَنسَوۡنَ أَنفُسَكُمۡ وَأَنتُمۡ تَتۡلُونَ ٱلۡكِتَٰبَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} (44)

{ أَتَأْمُرُونَ } الهمزة للتقرير مع التوبيخ والتعجيب من حالهم . والبرّ سعة الخير والمعروف . ومنه البر لسعته ، ويتناول كل خير . ومنه قولهم : صدقت وبررت . وكان الأحبار يأمرون من نصحوه في السر من أقاربهم وغيرهم باتباع محمد صلى الله عليه وسلم ولا يتبعونه . وقيل : كانوا يأمرون بالصدقة ولا يتصدّقون ، وإذا أتوا بصدقات ليفرّقوها خانوا فيها . وعن محمد بن واسع : بلغني أنّ ناساً من أهل الجنة اطلعوا على ناس من أهل النار فقالوا لهم : قد كنتم تأمروننا بأشياء عملناها فدخلنا الجنة . قالوا : كنا نأمركم بها ونخالف إلى غيرها { وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ } وتتركونها من البر كالمنسيات { وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الكتاب } تبكيت مثل قوله : { وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } يعني تتلون التوراة وفيها نعت محمد صلى الله عليه وسلم ، أو فيها الوعيد على الخيانة وترك البر ومخالفة القول العمل { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } توبيخ عظيم بمعنى : أفلا تفطنون ، لقبح ما أقدمتم عليه حتى يصدكم استقباحه عن ارتكابه ، وكأنكم في ذلك مسلوبو العقول لأن العقول تأباه وتدفعه . ونحوه : { أُفّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ الأنبياء : 67 ] .