معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُؤۡتُونَ مَآ ءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌ أَنَّهُمۡ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ رَٰجِعُونَ} (60)

قوله تعالى : { والذين يؤتون ما آتوا } أي : يعطون ما أعطوا من الزكاة والصدقات ، وروي عن عائشة أنها كانت تقرأ { والذين يؤتون ما آتوا } أي : يعملون ما عملوا من أعمال البر ، { وقلوبهم وجلة } أن ذلك لا ينجيهم من عذاب الله وأن أعمالهم لا تقبل منهم ، { أنهم إلى ربهم راجعون } لأنهم يوقنون أنهم يرجعون إلى الله عز وجل . قال الحسن : عملوا لله بالطاعات واجتهدوا فيها ، وخافوا أن ترد عليهم .

أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأنا عبد الله بن يوسف ، أنبأنا محمد بن حامد ، حدثنا محمد بن الجهم ، أنبأنا عبد الله بن عمرو ، أنبأنا وكيع عن مالك بن مغول ، عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت يا رسول الله : ( والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة ) أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق ؟ قال :لا يا بنت الصديق ، ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُؤۡتُونَ مَآ ءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌ أَنَّهُمۡ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ رَٰجِعُونَ} (60)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَالّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنّهُمْ إِلَىَ رَبّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلََئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } .

يعني تعالى ذكره بقوله : والّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا والذين يعطون أهل سُهْمان الصدقة ما فرض الله لهم في أموالهم . ما آتَوْا يعني : ما أعطوهم إياه من صدقة ، ويؤدّون حقوق الله عليهم في أموالهم إلى أهلها . وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ يقول : خائفة من أنهم إلى ربهم راجعون ، فلا ينجيهم ما فعلوا من ذلك من عذاب الله ، فهم خائفون من المرجع إلى الله لذلك ، كما قال الحسن : إن المؤمن جمع إحسانا وشفقة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبجر ، عن رجل ، عن ابن عمر : يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ قال : الزكاة .

حدثني محمد بن عمارة ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال أخبرنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد : وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ قال : المؤمن ينفق ماله وقلبه وَجِلٌ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي الأشهب ، عن الحسن ، قال : يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ قال : يعملون ما عملوا من أعمال البرّ ، وهم يخافون ألاّ ينجيهم ذلك من عذاب ربهم .

حدثنا القاسم ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ قال : المؤمن ينفق ماله ويتصدّق وقلبه وَجِل أنه إلى ربه راجع .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن يونس ، عن الحسن أنه كان يقول : إن المؤمن جمع إحسانا وشفقة ، وإن المنافق جمع إساءة وأمنا . ثم تلا الحسن : إنّ الّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبّهِمْ مُشْفِقُونَ إلى : وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أنّهُمْ إلى رَبّهِمْ رَاجِعُونَ وقال المنافق : إنما أوتيته على علم عندي .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد ، عن عكرمة : يُؤْتُونَ ما آتَوْا قال : يُعطون ما أعطوا . وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ يقول : خائفة .

حدثنا خلاد بن أسلم ، قال : حدثنا النضر بن شميل ، قال : أخبرنا إسرائيل ، قال : أخبرنا سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : وَالّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ قال : يفعلون ما يفعلون وهم يعلمون أنهم صائرون إلى الموت وهي من المبشّرات .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة : يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُم وَجِلَةٌ قال : يُعْطُون ما أعطَوا ويعملون ما عملوا من خير ، وقلوبهم وجلة خائفة .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، مثله .

حدثنا عليّ ، قال : ثني معاوية ، عن ابن عباس ، قوله : وَالّذِينَ يَأْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ يقول : يعملون خائفين .

قال : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَالّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ قال : يعطون ما أعطوا فَرَقا من الله ووجلاً من الله .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : يُؤْتُونَ ما آتَوْا ينفقون ما أنفقوا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ قال : يعطون ما أعطوا وينفقون ما أنفقوا ويتصدّقون بما تصدّقوا وقلوبهم وجلة ، اتقاء لسخط الله والنار .

وعلى هذه القراءة ، أعني على : وَالّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا قرأه الأمصار ، وبه رسوم مصاحفهم وبه نقرأ ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه ووفاقه خطّ مصاحف المسلمين .

ورُوي عن عائشة رضي الله عنها في ذلك ، ما :

حدثناه أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا عليّ بن ثابت ، عن طلحة بن عمر ، عن أبي خلف ، قال : دخلت مع عبيد بن عمير على عائشة ، فسألها عبيد : كيف نقرأ هذا الحرف وَالّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا ؟ فقالت : «يَأْتُونَ ما أتَوْا » .

وكأنها تأوّلت في ذلك والذين يفعلون ما يفعلون من الخيرات وهم وجلون من الله . وكأنها تأوّلت في ذلك : والذين يفعلون ما يفعلون من الخيرات وهم وجلون من الله ، كالذي :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكم بن بشير ، قال : حدثنا عمر بن قيس ، عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب الهمداني ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، قال : قالت عائشة : يا رسول الله «وَالّذِينَ يَأْتُونَ مَا أتَوْا وَقُلوبُهُم وَجِلَةٌ » هو الذي يذنب الذنب وهو وجل منه ؟ فقال : «لا ، وَلَكِنْ مَنْ يَصُومُ وَيُصَلّي ويَتَصَدّقُ وَهُوَ وَجِلٌ » .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن مالك بن مِغْول ، عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب ، أن عائشة قالت : قلت : يا رسول الله الّذِينَ يَأْتُونَ ما أتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أهم الذين يُذنبون وهم مشفقون وَيَصُومُونَ وَهُمْ مُشْفِقُونَ ؟

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : حدثنا ليث ، عن مغيث ، عن رجل من أهل مكة ، عن عائشة ، قالت : قلت : يا رسول الله : الّذِينَ يَأْتُونَ ما أتَوْا وَقلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ قال : فذكر مثل هذا .

حدثنا سفيان بن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن مالك بن مغول ، عن عبد الرحمن بن سعيد ، عن عائشة أنها قالت : يا رسول الله الّذِينَ يَأْتُونَ ما أتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أهو الرجل يزنى ويسرق ويشرب الخمر ؟ قال : «لا يا ابْنَةَ أبي بَكْرٍ أو يا ابْنَةَ الصّدّيقِ وَلَكِنّهُ الرّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلّي وَيَتَصَدّقُ ، وَيخافُ أنْ لا يُقْبَلَ مِنْهُ » .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني جرير ، عن ليث بن أبي سليم ، وهشيم عن العوّام بن حَوْشب جميعا ، عن عائشة ، أنها قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «يا ابْنَةَ أبي بَكْرٍ أو يا بْنَةَ الصّدّيقِ هُمُ الّذِينَ يُصَلّونَ وَيَفْرَقُونَ أنْ لا يُتَقَبّلَ منْهُمْ » . و «أنّ » من قوله : أنّهُمْ إلى رَبّهِمْ رَاجِعُونَ : في موضع نصب ، لأن معنى الكلام : وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ من أنهم ، فلما حذفت «مِنْ » اتصل الكلام قبلها ، فنصبت . وكان بعضهم يقول : هو في موضع خفض ، وإن لم يكن الخافض ظاهرا .