فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلَّذِينَ يُؤۡتُونَ مَآ ءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌ أَنَّهُمۡ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ رَٰجِعُونَ} (60)

والصفة الرابعة قوله : { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ } أي يعطون { مَا آتَوْا } أي ما أعطوا { وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } أي خائفة أشد الخوف من أجل ذلك الإعطاء يظنون أن ذلك لا ينجيهم من عذاب الله ، والجملة حالية .

قال الزجاج : قلوبهم وجلة من { أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } وسبب الوجل هو أن يخافوا أن لا يقبل منهم ذلك على الوجه المطلوب لا مجرد رجوعهم إليه سبحانه ، وقيل المعنى أن من اعتقد الرجوع إلى الجزاء والحساب ، وعلم أن المجازي والمحاسب هو الرب الذي لا تخفى عليه خافية لم يخل من وجل ، وقرئ { يأتون ما أتوا } مقصورا من الإتيان .

قال الفراء : ولو صحت لم تخالف قراءة الجماعة لأن من العرب من يلزم في الهمزة الألف في كل الحالات ، قال النحاس : ومعناها يعملون ما عملوا يفعلون ما فعلوا من الطاعات .

أخرج الترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه وغيرهم عن عائشة قالت : قلت يا رسول الله ، قول الله { والذين يؤتون ما آتوا وقولبهم وجلة } أهو الرجل يسرق ويزني ويشرب الخمر ؟ وهو مع ذلك يخاف الله ؟ قال : " لا ، ولكنه الرجل يصوم ويتصدق ويصلي وهو مع ذلك يخاف الله أن لا يتقبل منه " {[1261]} .

وعن ابن عباس قال : يعطون ما أعطوا ويعملون خائفين ، وعن ابن عمر قال : الزكاة ، وعن عائشة قالت : هم الذين يخشون الله ويطيعونه .

وأخرج البخاري في تاريخه والدارقطني والحاكم وصححه وغيرهم ، عن عبيد بن عمير أنه سأل عائشة كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية { والذين يؤتون ما آتوا ، والذين يأتون ما أتوا } قالت : أيتهما أحب إليك ؟ وقلت والذي نفسي بيده لأحدهما أحب إلي من الدنيا وما فيها جميعا ، قالت أيتهما قلت الذين يأتون ما أتوا ، فقالت أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها كذلك ، وكذلك أنزلت ولكن الهجاء حرف ، وفي إسناده إسماعيل بن علي وهو ضعيف .


[1261]:المستدرك كتاب التفسير 2/394.