الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَٱلَّذِينَ يُؤۡتُونَ مَآ ءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌ أَنَّهُمۡ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ رَٰجِعُونَ} (60)

وقوله سبحانه : { والذين يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } [ المؤمنون : 60 ] . أسند الطبريُّ عن عائشة أنها قالت : ( قلتُ : يا رسولَ اللّه ، قوله تعالى : { يُؤْتُونَ مَا آتَوا } أَهي في الذي يَزْنِي وَيَسْرِقُ ؟ قال : لا ، يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ ، بَلْ هِيَ في الرَّجُلِ يَصُومُ وَيَتَصَدَّقُ وَقَلْبُهُ وَجِلٌ ، يَخَافُ أَلاَّ يُتَقَبَّلَ مِنْهُ )

قال ( ع ) : ولا نظرَ مع الحديث ، والوَجَلُ : نحو الإشفاق والخوف ، وصورة هذا الوَجِلِ إمَّا المُخَلِّطُ فينبغي أنْ يكونَ أبداً تحت خوف من أنْ يكونَ ينفذ عليه الوعيد بتخليطه ، وأمَّا التَّقِيُّ أوِ التائب ، فخوفه أمرَ الخاتمة وما يطلع عليه بعد الموتِ ، وفي قوله تعالى : { أَنَّهُمْ إلى رَبِّهِمْ راجعون } : تنبيهٌ على الخاتمة ، وقال الحسن : معناه الذين يفعلون ما يفعلون من البِرِّ ، ويخافون أَلاَّ يُنْجِيَهُم ذلك من عذاب رَبِّهِم ، وهذه عبارة حسنة ، ورُوِيَ عن الحَسَنِ أيضاً أَنَّهُ قال : ( المؤمن يجمع إحساناً وشفقةً ، والمنافِقُ يجمع إساءَةً وأمناً ) .

( ت ) : ولهذا الخَطْبِ العظيم أطال الأولياءُ في هذه الدار حُزْنَهُمْ وأجروا على الوجنات مدامعهم ، قال ابن المبارك في «رقائقه » : أخبرنا سفيان ، قال : إنما الحُزْنُ على قَدْرِ البصيرة ، قال ابن المبارك : وأخبرنا مالك بن مغول عن رجل عن الحسن قال : ما عُبِدَ اللّهُ بمثل طُولِ الحُزْنِ ، وقال ابن المبارك أيضاً : أخبرنا مسعر عن عبد الأعلى التَّيْمِيِّ قال : أَنَّ مَنْ أُوتي من العلم ما لا يُبْكِيهِ لَخَلِيقٌ أَلاَّ يكونَ أُوتِيَ علماً ينفعه لأَنَّ اللّه تعالى نَعَتَ العلماءَ ، فقال : { إنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ } إلى قوله : { وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ } [ الإسراء : 107-109 ] ، انتهى .