معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَمَن تَابَ مِنۢ بَعۡدِ ظُلۡمِهِۦ وَأَصۡلَحَ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَتُوبُ عَلَيۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (39)

قوله تعالى : { فمن تاب من بعد ظلمه } ، أي سرقته .

قوله تعالى : { وأصلح } العمل .

قوله تعالى : { فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم } ، هذا فيما بينه وبين الله تعالى ، فأما القطع فلا يسقط عنه بالتوبة عند الأكثرين ، قال مجاهد : قطع السارق لا توبة له ، فإذا قطعت حصلت التوبة . والصحيح أن القطع للجزاء على الجناية ، كما قال :الجزاء بما كسبا ، ولابد من التوبة بعده ، وتوبته الندم على ما مضى ، والعزم على تركه في المستقبل ، وإذا قطع السارق يجب عليه غرم ما سرق من المال عند أكثر أهل العلم ، وقال سفيان الثوري وأصحاب الرأي : لا غرم عليه ، وبالاتفاق : إن كان المسروق قائماً عنده يسترده ، وتقطع يده ، لأن القطع حق الله تعالى ، والغرم حق العبد ، فلا يمنع أحدهم الآخر ، كاسترداد العين .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَمَن تَابَ مِنۢ بَعۡدِ ظُلۡمِهِۦ وَأَصۡلَحَ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَتُوبُ عَلَيۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (39)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ } . .

يقول جلّ ثناؤه فمَنْ تَابَ من هؤلاء السرّاق ، يقول : من رجع منهم عما يكرهه الله من معصيته إياه إلى ما يرضاه من طاعته من بعد ظلمه وظلمُه : هو اعتداؤه وعمله ما نهاه الله عنه من سرقة أموال الناس . يقول : وأصلح نفسه بحملها على مكروهها في طاعة الله والتوبة إليه مما كان عليه من معصيته . وكان مجاهد فيما ذكر لنا يقول : توبته في هذا الموضع ، الحدّ الذي يقام عليه .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وأصْلَحَ يقول : فتاب عليه بالحدّ .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا موسى بن داود ، قال : حدثنا بان لهيعة ، عن حُيي بن عبد الله ، عن أبي عبد الرحمن الحُبْلي ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : سرقت امرأة حليّا ، فجاء الذين سرقهم ، فقالوا : يا رسول الله سرقتنا هذه المرأة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اقْطَعُوا يَدَها اليُمْنَى » فقالت المرأة : هل من توبة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أنْتِ اليَوْمَ مِنْ خَطِيئَتِكِ كَيَوْمَ وَلَدَتْك أُمّكِ » . قال : فأنزل الله جلّ وعزّ : فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وأصْلَحَ فإنّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ .

وقوله : فإنّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ يقول : فإن الله جلّ وعزّ يرجعه إلى ما يحبّ ويرضى عما يكرهه ويسخط من معصيته . وقوله : إنّ اللّهَ عَفُورٌ رَحيمٌ يقول : إن الله عزّ ذكره ساتر على من تاب وأناب عن معاصيه إلى طاعته ذنوبه بالعفو عن عقوبته عليها يوم القيامة وتركه فضيحته بها على رؤوس الأشهاد ، رحيم به وبعباده التائبين إليه من ذنوبهم .