تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَمَن تَابَ مِنۢ بَعۡدِ ظُلۡمِهِۦ وَأَصۡلَحَ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَتُوبُ عَلَيۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (39)

وقوله تعالى : { فمن تاب من بعد ظلمه } الآية أي تاب عن الشرك ، { وأصلح } ما كان يفسده ، ويرتكبه في حال شركه { فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم } وعد له المغفرة الرحمة إذا تاب عن الشرك ، وأصلح ما كان يفسده ، ويرتكبه في حال الشرك حتى لا يؤاخذ بشيء مما كان يرتكبه في حال الشرك ، ويتعاطاه إذا أسلم .

ألا ترى أنه قال تعالى : { إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } ؟ [ الأنفال : 38 ] والمسلم في حال الإسلام إذا ارتكب حدودا /129-ب/ وتعاطاها ، ثم تاب ، أوخذ بها لوجهين :

أحدهما : أن الكافر لو أوخذ بعدما أسلم بما كان ارتكب في حال الكفر ، وتعاطاه ، فذلك يمنعه عن الإسلام ، ويزجره . فإذا كان كذلك فكان في إقامة ذلك والأخذ بها من الفساد أكثر من الصلاح ، وأما المسلم إذا لم يؤاخذ بما ارتكب ، وتعاطى بعد التوبة يدخل في ذلك الفساد ما يفحش ، وذلك أنه لما أٍيد أن يقام عليه الحد تاب ، فسقط ذلك عنه ، ثم عاد ثانيا ثم ثالثا إلى ما لا يتناهى . فعمل في الأرض بكل الفساد من غير أن لحقه ضرر ، لذلك أوخذ به بعد التوبة ، والكافر لا ، والله أعلم .

والثاني : أن الكافر ما يرتكب في حال الكفر إنما يرتكبه تدينا بدين [ يدين ] به . فإذا رجع عن ذلك الدين ، ودان بدين آخر ، ما يكون ذلك حراما في دينه الذي تمسك به ، ترك ما كان يرتكب في دينه الأول تدينا ، فيظهر ذلك منه ، فلم يقل عليه لما يظهر منه : ترك ما تعاطى قبل ذلك . وأما المسلم فليس يتعاطى ما يتعاطى تدينا بدين [ يدين ] به ، ولكنه يتعطاه شهوة ؛ وذلك مما لا تظهر منه التوبة حقيقة . لذلك اختلفا ، والله أعلم .

وفيه دليل جواز تأخر البيان لأنه قال تعالى : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء } ولا يحتمل أن يبين له جميع شرائط السرقة التي يجب فيها القطع و قت قرع الخطاب السمع . فدل أنه إنما بين له على قدر الحاجة بعد السؤال والبحث عنها ، والله أعلم .

وكان جميع ما ذكر من العقوبات إنما نزل في أهل الكفر لأنهم هم الذين كانوا يتعاطون ذلك دون المسلمين ، وترك عامة العقوبات في المسلمين لأنه هم الذين [ لا ] يرغبون فيها . ومن ذلك قوله تعالى : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله } الآية ، [ المائدة : 33 ] وما ذكر في ابني آدم وقوله تعالى : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء } الآية ، [ المائدة : 38 ] .

وذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : نزلت في طعمة بن أبيرق سرق درع جاره ، فنزلت الآية . وعلى ذلك قال عامة أهل التأويل . ثم صار الحكم في المسلمين إذا ارتكبوا تلك الأجرام . وفيه دليل جواز القياس ، والله أعلم .