قوله تعالى : { فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ } الجارُّ [ والمجرور في قوله : { مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ } ]{[11760]} متعلِّقُ ب " تاب " و " ظُلْم " مصدرٌ مضافٌ إلى فاعله ، أيْ : مِنْ بعد أنْ ظلمَ غَيْرَهُ بأخْذِ ماله .
وأجاز بعضُهم أنْ يكونَ مُضافاً للمفعولِ ، أيْ : مِنْ بعد أنْ ظلم نَفْسَهُ ، وفي جوازِ هذا نَظَرٌ ؛ إذْ يصيرُ التقديرُ : مِنْ بَعْد أنْ ظلمه ، ولو صرَّحَ بهذا الأصل لم يجز ؛ لأنَّهُ يؤدِّي إلى تَعَدِّي فعل المضمرِ إلى ضَمِيره المتصلِ ، وذلك لا يجوزُ إلا في بابِ : " ظَنّ وفَقَدَ وعدِمَ " ، كذلك قاله أبُو حيان .
وفي نظرِه نَظَرٌ ؛ لأنَّا إذا حللنا المصدر لحرفٍ مَصْدرِيٍّ وفِعْلٍ ، فإنَّما يأتِي بعد الفعلِ بما يَصِحُّ تقديرُه ، وهو لفظُ النَّفْسِ ، أيْ : مِنْ بَعْد أنْ ظَلَمَ نَفْسه . انتهى .
المعنى : { فَمَن تَابَ منْ بَعْد } سرقته " وَأصْلَحَ " العملَ ، " فإنَّ اللَّهَ " تعالى { يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } هذا فيما بينَهُ وبَيْنَ الله تعالى ، فأمَّا القطعُ فلا يَسْقُطُ بالتَّوْبةِ عند الأكْثرينَ .
قال مُجاهِدٌ{[11761]} : السارقُ لا توبة له ، فإذا قُطِعَ حصلتِ التوبةُ ، والصحيحُ : أن القطعَ جزاءٌ على الجِنايةِ لقوله تعالى : { جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ } فلا بُدَّ مِنَ التَّوْبَةِ بَعْدُ ، وتوبَتُه الندمُ على ما مضَى والعزمُ على تركِهِ في المستقبلِ ، وهذه الآيةُ تدُلُّ على أنَّ مَنْ تاب من بعد ظلمه وأصْلح ، فإنَّ الله تعالى يقبلُ توبَتَهُ .
فإن قيل : قوله " وأصْلَحَ " يدلُّ على أنَّ مجردَ التوبةِ غيرُ مقبولٍ . فالجوابُ : المرادُ وأصلح التوبة بنيةٍ صادقةٍ وعزيمةٍ صحيحةٍ خاليةٍ عن سائرِ الأغْرَاضِ .
فصل في أن قبول التوبة غير واجب على الله تعالى
دَلَّتِ الآيةُ على أنَّ قبولَ التوبة غيرُ واجبٍ على الله تعالى ، لأنَّهُ يُمْدحُ بقبول التوبةِ ، والتمدُّحُ إنما يكونُ بفعل التَّفَضُّلِ والإحْسَانِ لا بأدَاءِ الوَاجِباتِ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.