اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَمَن تَابَ مِنۢ بَعۡدِ ظُلۡمِهِۦ وَأَصۡلَحَ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَتُوبُ عَلَيۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (39)

قوله تعالى : { فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ } الجارُّ [ والمجرور في قوله : { مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ } ]{[11760]} متعلِّقُ ب " تاب " و " ظُلْم " مصدرٌ مضافٌ إلى فاعله ، أيْ : مِنْ بعد أنْ ظلمَ غَيْرَهُ بأخْذِ ماله .

وأجاز بعضُهم أنْ يكونَ مُضافاً للمفعولِ ، أيْ : مِنْ بعد أنْ ظلم نَفْسَهُ ، وفي جوازِ هذا نَظَرٌ ؛ إذْ يصيرُ التقديرُ : مِنْ بَعْد أنْ ظلمه ، ولو صرَّحَ بهذا الأصل لم يجز ؛ لأنَّهُ يؤدِّي إلى تَعَدِّي فعل المضمرِ إلى ضَمِيره المتصلِ ، وذلك لا يجوزُ إلا في بابِ : " ظَنّ وفَقَدَ وعدِمَ " ، كذلك قاله أبُو حيان .

وفي نظرِه نَظَرٌ ؛ لأنَّا إذا حللنا المصدر لحرفٍ مَصْدرِيٍّ وفِعْلٍ ، فإنَّما يأتِي بعد الفعلِ بما يَصِحُّ تقديرُه ، وهو لفظُ النَّفْسِ ، أيْ : مِنْ بَعْد أنْ ظَلَمَ نَفْسه . انتهى .

فصل في معنى الآية

المعنى : { فَمَن تَابَ منْ بَعْد } سرقته " وَأصْلَحَ " العملَ ، " فإنَّ اللَّهَ " تعالى { يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } هذا فيما بينَهُ وبَيْنَ الله تعالى ، فأمَّا القطعُ فلا يَسْقُطُ بالتَّوْبةِ عند الأكْثرينَ .

قال مُجاهِدٌ{[11761]} : السارقُ لا توبة له ، فإذا قُطِعَ حصلتِ التوبةُ ، والصحيحُ : أن القطعَ جزاءٌ على الجِنايةِ لقوله تعالى : { جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ } فلا بُدَّ مِنَ التَّوْبَةِ بَعْدُ ، وتوبَتُه الندمُ على ما مضَى والعزمُ على تركِهِ في المستقبلِ ، وهذه الآيةُ تدُلُّ على أنَّ مَنْ تاب من بعد ظلمه وأصْلح ، فإنَّ الله تعالى يقبلُ توبَتَهُ .

فإن قيل : قوله " وأصْلَحَ " يدلُّ على أنَّ مجردَ التوبةِ غيرُ مقبولٍ . فالجوابُ : المرادُ وأصلح التوبة بنيةٍ صادقةٍ وعزيمةٍ صحيحةٍ خاليةٍ عن سائرِ الأغْرَاضِ .

فصل في أن قبول التوبة غير واجب على الله تعالى

دَلَّتِ الآيةُ على أنَّ قبولَ التوبة غيرُ واجبٍ على الله تعالى ، لأنَّهُ يُمْدحُ بقبول التوبةِ ، والتمدُّحُ إنما يكونُ بفعل التَّفَضُّلِ والإحْسَانِ لا بأدَاءِ الوَاجِباتِ .


[11760]:سقط في أ.
[11761]:ينظر: تفسير البغوي 2/36.