قوله تعالى : { قل بفضل الله وبرحمته } ، قال مجاهد وقتادة : فضل الله : الإيمان ، ورحمته : القرآن . وقال أبو سعيد الخدري : فضل الله القرآن ، ورحمته أن جعلنا من أهله . وقال ابن عمر : فضل الله : الإسلام ، ورحمته : تزيينه في القلب . وقال خالد بن معدان : فضل الله : الإسلام ، ورحمته : السنن . وقيل : فضل الله : الإيمان ، ورحمته : الجنة . { فبذلك فليفرحوا } ، أي : ليفرح المؤمنون أن جعلهم الله من أهله ، { هو خير مما يجمعون } ، أي : مما يجمعه الكفار من الأموال . وقيل : كلاهما خبر عن الكفار . وقرأ أبو جعفر وابن عامر : { فليفرحوا } بالياء ، و تجمعون بالتاء ، وقرأ يعقوب كلاهما بالتاء مختلف عنه خطابا للمؤمنين .
وقوله : { قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } حض للناس على اغتنام ما في تعاليم الإِسلام من خيرات ، وإيثارها على ما في الدنيا من شهوات .
أى : قل يا محمد لمن يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة : اجعلوا فرحكم الأكبر ، وسروركم الأعظم ، بفضل الله الذي شرع لكم هذا الدين على لسان رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وبرحمته التي وسعت كل شيء وهي بالمؤمنين أوسع ، لا بما تجمعون في هذه الدنيا من أموال زائلة ومتع فانية .
وقد فسر بعضهم فضل الله ورحمته بالقرآن ، ومنهم من فسر فضل الله بالقرآن ، ورحمته بالإِسلام . ومنهم من فسرهما بالجنة والنجاة من النار .
ولعل تفسير هما بما يشمل كل ذلك أولى : لأنه لم يرد نص صحيح عن الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - يحدد المراد منهما ، وما دام الأمر كذلك فحملهما على ما يشمل الإِسلام والقرآن والجنة أولى .
قال ابن كثير : قوله - تعالى - { قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ } أى : بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق فليفرحوا فإنه أولى مما يفرحون به من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية والذاهبة لا محالة .
فعن أيفع بن عبد الكلاعي قال : لما قدم خراج العراق إلى عمر - رضي الله عنه - خرج عمر ومولى له ، فجعل يعد الإِبل ، فإذا هي أكثر من ذلك ، فجعل عمر يقول : الحمد لله - تعالى - ويقول مولاه : هذا والله من فضل الله ورحمته . فقال عمر : كذبت ليس هذا هو الذي يقول الله - تعالى - { قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } .
أى : ليس هذا المال هو المعنى بهذه الآية ، وإنما فضل الله ورحمته يتمثل فيما جاءهم من الله - تعالى - من دين قويم ، ورسول كريم ، وقرآن مبين .
ودخلت الباء على كل من الفضل والرحمة ، للإِشعار باستقلال كل منهما بالفرح به .
والجار والمجرور في كل منهما متعلق بمحذوف ، وأصل الكلام : قل لهم يا محمد ليفرحوا بفضل الله وبرحمته ، ثم قدم الجار والمجرور على الفعل لإِفادة الاختصاص ، وأدخلت الفاء لإِفادة السببية ، فكأنه قيل : إن فرحوا بشيء فليكن بسبب ما أعطاهم الله - تعالى - من فضل ورحمته ، لا بسبب ما يجمعون من زينة الحياة الدنيا .
قال القرطبى : " والفرح لذة في القلب بإدراك المحبوب . وقد ذم الله الفرح في مواضع ، كقوله - سبحانه - { إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الفرحين } وكقوله { إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ } ولكنه مطلق . فإذا قيد الفرح لم يكن ذما ، لقوله - تعالى { فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ الله مِن فَضْلِهِ } وكقوله - سبحانه - هنا { فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ } أى بالقرآن والإِسلام فليفرحوا . . . " .
وقوله سبحانه { قل بفضل الله وبرحمته } ، الباء متعلقة بمحذوف استغني عن ذكره يدل عليه قوله : { وهدى ورحمة } قال بعض المتأولين وهو هلال بن يساف{[6139]} وقتادة والحسن وابن عباس «الفضل » : الإسلام ، و «الرحمة » : القرآن ، وقال أبو سعيد الخدري : «الفضل » : القرآن ، و «الرحمة » أن جعلهم من أهله ، وقال زيد بن أسلم والضحاك «الفضل » : القرآن ، و «الرحمة » : الإسلام ، وقالت فرقة : «الفضل » : محمد صلى الله عليه وسلم ، و «الرحمة » : القرآن .
قال القاضي أبو محمد : ولا وجه عندي لشيء من هذا التخصيص إلا أن يستند منه شيء إلى النبي صلى الله عليه سلم ، وإنما الذي يقتضيه اللفظ ويلزم منه ، أن «الفضل » هو هداية الله تعالى إلى دينه والتوفيق إلى إتباع الشرع ، و «الرحمة » : هي عفوه وسكنى جنته التي جعلها جزاء على التشرع بالإسلام والإيمان به ، ومعنى الآية : قل يا محمد لجميع الناس : { بفضل الله وبرحمته } فليقع الفرح منكم ، لا بأمور الدنيا وما جمع من حطامها ، فالمؤمنون يقال لهم فلتفرحوا ، وهم متلبسون بعلة الفرح وسببه ، ومحصلون لفضل الله منتظرون الرحمة ، والكافرون يقال لهم : { بفضل الله وبرحمته } فلتفرحوا ، على معنى أن لو اتفق لكم أو لو سعدتم بالهداية إلى تحصيل ذلك ، وقرأ أبي بن كعب وابن القعقاع وابن عامر والحسن على ما زعم هارون ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم «فلتفرحوا » ، و «تجمعون » بالتاء فيهما على المخاطبة ، وهي قراءة جماعة من السلف كبيرة ، وعن أكثرهم خلاف ، وقرأ السبعة سوى ابن عامر{[6140]} وأهل المدينة والأعرج ومجاهد وابن أبي إسحاق وقتادة وطلحة والأعمش : بالياء فيهما على ذكر الغائب ، ورويت عن الحسن بالتاء من فوق فيهما ، وقرأ أبو التياح وأبو جعفر وقتادة : بخلاف عنهم وابن عامر بالياء في الأولى وبالتاء في الآخرة ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن وجماعة من السلف ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم بالياء في الأولى وفي الآخرة ، ورويت عن أبي التياح ، وإذا تأملت وجوه ذلك بانت على مهيع الفصيح من كلام العرب ولذلك كثر الخلاف من كل قارىء ، وفي مصحف أبي بن كعب ، «فبذلك فافرحوا » وأما من قرأ «فلتفرحوا » فأدخل اللام في أمر المخاطب فذلك على لغة قليلة ، حكى ذلك أبو علي في الحجة ، وقال أبو حاتم وغيره : الأصل في كل أمر إدخال اللام إذا كان النهي بحرف فكذلك الأمر ، وإذا كان أمراً لغائب بلام{[6141]} ، قال أبو الفتح : إلا أن العرب رفضت إدخال اللام في أمر المخاطب لكثرة ترداده{[6142]} ، وقرأ أبو الفتوح والحسن : بكسر اللام من «فلِتفرحوا » ، فإن قيل : كيف أمر الله بالفرح في هذه الآية ؟ وقد ورد ذمه في قوله { لفرح فخور }{[6143]} ، وفي قوله { لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين }{[6144]} قيل إن الفرح إذا ورد مقيداً في خير فليس بمذموم وكذلك هو في هذه الآية ، وإذا ورد مقيداً في شر أو مطلقاً لحقه ذم إذ ليس من أفعال الآخرة بل ينبغي أن يغلب على الإنسان حزنه على ذنبه وخوفه لربه ، وقوله : { مما يجمعون } يريد من مال الدنيا وحطامها الفاني المؤذي في الآخرة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.