الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللَّهِ وَبِرَحۡمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلۡيَفۡرَحُواْ هُوَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ} (58)

وقوله سبحانه : { قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فبذلك فَلْيَفْرَحُوا } [ يونس : 58 ] . قال ابن عباس وغيره : الفضل : الإِسلام ، والرحمة : القرآن ، وقال أبو سعيد الخُدْرِيُّ : الفَضْل : القرآن ، والرحمة : أن جعلهم مِنْ أهله .

وقال زيْدُ بن أسلم والضَّحَّاك : الفَضْل : القرآن ، والرحمة : الإِسلام .

قال ( ع ) : ولا وجْه عندي لشيْءٍ من هذا التخْصيصِ إِلاَّ أن يستند شيءٌ منْه إِلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وإِنما الذي يقتضيه اللفظُ ، ويلزم منْه أنَّ الفضْلَ : هو هدايةُ اللَّه تعالى إِلَى دِينِهِ ، والتوفيقُ إِلى اتباع شرعه ، والرحمةُ هي عفوه وسُكْنَى جنَّته التي جَعَلَها جزاءً على التشرُّع بالإِسلام والإِيمان به ، ومعنى الآية : قل ، يا محمَّد ، لجميع النَّاس : بفضلِ اللَّه ورحمته فَلْيَقَعِ الفَرِحُ منكم ، لا بأمور الدنيا وما يُجْمَعُ من حُطَامها ، فإِن قيل : كيف أمر اللَّه بالفَرَحِ في هذه الآية ، وقد وَرَدَ ذمُّه في قوله : { لَفَرِحٌ فَخُورٌ } [ هود : 10 ] وفي قوله : { لاَ تَفْرَحْ إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الفرحين } [ القصص : 76 ] .

قيل : إِن الفرح إِذا ورد مقيَّداً في خيرٍ ، فليس بمذمومٍ ، وكذلك هو في هذه الآية ، وإِذا ورد مقيَّداً في شرٍّ ، أو مطلقاً لَحِقَهُ ذمٌّ ، إِذ ليس من أفعال الآخرة ، بل ينبغي أنْ يغلب على الإِنسان حُزْنُهُ على دينه ، وخوفُه لربِّه .

وقوله : { مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [ يونس : 58 ] يريد مالَ الدنيا وحُطَامَها الفانِيَ المُرْدِيَ في الآخرة .