نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللَّهِ وَبِرَحۡمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلۡيَفۡرَحُواْ هُوَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ} (58)

ولما ثبت ذلك ، حثهم عليه لبعده عن السحر بثباته وعدم القدرة على زلزلته فضلاً عن إزالته وبأنه شفاء وموعظة وهدى ورحمة فهو جامع لمراتب القرب الإلهي كلها ، وزهدهم فيما هم عليه مقبلون من الحطام لمشاركته للسحر في سرعة التحول والتبدل بالفناء والاضمحلال فهو أهل{[38123]} للزهد فيه والإعراض عنه فقال تعالى : { قل بفضل الله } الآية ، وحسن كل الحسن تعقيب ذلك لقوله : { هو يحيي ويميت } لما ذكر من سرعة الرحيل عنه ، ولأن القرآن محيي لميت الجهل ، من أقبل عليه أفاده العلم والحكمة ، فكان للقلب كالحياة للجسد ، ومن أعرض عنه صار في ضلال وخبط فوصل إلى الهلاك الدائم ، فكان إعراضه عنه مميتاً له ، وجعل أبو حيان متعلق الباء في بفضل محذوفاً تقديره : { قل } ليفرحوا { بفضل الله } أي الملك الأعلى { وبرحمته } ثم عطف {[38124]}قصر الفرح{[38125]} على ذلك { فبذلك } أي الأمر العظيم جداً وحده إن فرحوا{[38126]} يوماً ما بشيء { فليفرحوا } فهما جملتان وقال : إن ذلك أظهر ، والفائدة الثانية قصر الفرح على ذلك دون ما يسرون به من الحطام فإن السعادات الروحانية أفضل من السعادات الجسمانية{[38127]} . ثم صرح بسبب الفرح فقال : { هو } أي المحدث عنه من الفضل والرحمة { خير مما يجمعون* } أي من حطام الدنيا وإن كان أشرف ما فيها من المتاع دائبين{[38128]} فيه على تعاقب الأوقات ، والعاقل يختار لتعبه الأفضل ؛ والفضل : الزيادة في النعمة ؛ والفرح : لذة في القلب بنيل المشتهى .


[38123]:زيد من ظ.
[38124]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[38125]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[38126]:في ظ: فرح.
[38127]:راجع البحر المحيط 5/171.
[38128]:في ظ: دابين.