إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللَّهِ وَبِرَحۡمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلۡيَفۡرَحُواْ هُوَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ} (58)

{ قُلْ } تلوينٌ للخطاب وتوجيهٌ له إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأمرَ الناسَ بأن يغتنموا ما في مجيء القرآن العظيمِ من الفضل والرحمة { بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ } المرادُ بهما إما ما في مجيء القرآنِ من الفضل والرحمةِ وإما الجنسُ وهما داخلان فيه دخولاً أولياً ، والباء متعلقةٌ بمحذوف ، وأصلُ الكلام ليفرَحوا بفضل الله وبرحمته للإيذان باستقلالها في استيجاب الفرحِ ثم قُدّم الجارُّ والمجرورُ على الفعل لإفادة القصرِ ثم أُدخل عليه الفاءُ لإفادة معنى السببيةِ فصار بفضل الله وبرحمته فليفرَحوا ثم قيل : { فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ } للتأكيد والتقريرِ ثم حُذف الفعلُ الأول لدلالة الثاني عليه والفاءُ الأولى جزائيةٌ والثانيةُ للدلالة على السببية والأصلُ إن فرِحوا بشيء فبذلك ليفرحوا لا بشيء آخرَ ، ثم أُدخل الفاءُ للدلالة على السببية ثم حذف الشرطُ ، ومعنى البُعد في اسم الإشارةِ للدلالة على بُعد درجةِ فضل الله تعالى ورحمتِه ويجوز أن يراد بفضل الله وبرحمته فلْيعتنوا فبذلك فليفرحوا ، ويجوز أن يتعلق الباءُ بجاءتكم أي جاءتكم موعظةٌ بفضل الله وبرحمته فبذلك أي فبمجيئها فليفرَحوا وقرىء فلتفرحوا وقرأ أُبيّ : فافرَحوا ، وعن أُبي بن كعب أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم تلا : «قل بفضلِ الله وبرحمتِهِ » فقالَ : «بكتاب الله والإسلامِ » ، وقيل : فضلُه الإسلامُ ورحمتُه ما وعَد عليه .

{ هُوَ } أي ما ذكر من فضل الله ورحمته { خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ } من حُطام الدنيا وقرىء تجمعون أي فبذلك فليفرَحِ المؤمنون هو خير مما تجمعون أيها المخاطَبون .