تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي  
{قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللَّهِ وَبِرَحۡمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلۡيَفۡرَحُواْ هُوَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ} (58)

57

ولذلك أمر تعالى بالفرح بذلك فقال : { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ ْ } الذي هو القرآن ، الذي هو أعظم نعمة ومنة ، وفضل تفضل الله به على عباده { وَبِرَحْمَتِهِ ْ } الدين والإيمان ، وعبادة الله ومحبته ومعرفته . { فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ْ } من متاع الدنيا ولذاتها .

فنعمة الدين المتصلة بسعادة الدارين ، لا نسبة بينها ، وبين جميع ما في الدنيا ، مما هو مضمحل زائل عن قريب .

وإنما أمر الله تعالى بالفرح بفضله ورحمته ، لأن ذلك مما يوجب انبساط النفس ونشاطها ، وشكرها لله تعالى ، وقوتها ، وشدة الرغبة في العلم والإيمان الداعي للازدياد منهما ، وهذا فرح محمود ، بخلاف الفرح بشهوات الدنيا ولذاتها ، أو الفرح بالباطل ، فإن هذا مذموم كما قال [ تعالى عن ] قوم قارون له : { لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ْ } .

وكما قال تعالى في الذين فرحوا بما عندهم من الباطل المناقض لما جاءت به الرسل : { فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ْ }