فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللَّهِ وَبِرَحۡمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلۡيَفۡرَحُواْ هُوَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ} (58)

ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل الخطاب معه بعد خطابه للناس على العموم ، فقال : { قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا } المراد بالفضل من الله سبحانه : هو تفضله على عباده في الآجل والعاجل بما لا يحيط به الحصر ، والرحمة : رحمته لهم . وروي عن ابن عباس أنه قال : فضل الله : القرآن ، ورحمته : الإسلام . وروي عن الحسن والضحاك ، ومجاهد وقتادة ، أن فضل الله : الإيمان ، ورحمته : القرآن . والأولى : حمل الفضل والرحمة على العموم ، ويدخل في ذلك ما في القرآن منهما دخولاً أوّلياً ، وأصل الكلام : قل بفضل الله وبرحمته فليفرحوا ، ثم حذف هذا الفعل لدلالة الثاني في قوله : { فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ } عليه ، قيل : والفاء في هذا الفعل المحذوف داخلة في جواب شرط مقدّر ، كأنه قيل : إن فرحوا بشيء فليخصوا فضل الله ورحمته بالفرح .

وتكرير الباء في " برحمته " للدلالة على أن كل واحد من الفضل والرحمة سبب مستقلّ في الفرح ، والفرح : هو اللذة في القلب بسبب إدراك المطلوب ، وقد ذمّ الله سبحانه الفرح في مواطن كقوله : { لاَ تَفْرَحْ إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الفرحين } وجوّزه في قوله : { فَرِحِينَ بِمَا آتاهم الله مِن فَضْلِهِ } وكما في هذه الآية ، ويجوز أن تتعلق الباء في { بفضل الله وبرحمته } بقوله : { جَاءتْكُمُ } ، والتقدير : جاءتكم موعظة بفضل الله وبرحمته فبذلك : أي فبمجيئها فليفرحوا ، وقرأ يزيد بن القعقاع ويعقوب «فلتفرحوا » بالفوقية ، وقرأ الجمهور بالتحتية ، والضمير في " هو خير " راجع إلى المذكور من الفضل والرحمة ، أو إلى المجيء على الوجه الثاني ، أو إلى اسم الإشارة في قوله { فَبِذَلِكَ } والمعنى : أن هذا خير لهم مما يجمعونه من حطام الدنيا . وقد قرئ بالتاء الفوقية في { يَجْمَعُونَ } مطابقة للقراءة بها في { فلتفرحوا } . وقد تقرّر في العربية أن لام الأمر تحذف مع الخطاب إلا في لغة قليلة ، جاءت هذه القراءة عليها ، وقرأ الجمهور بالمثناة التحتية في يجمعون ، كما قرءوا في { فليفرحوا } . وروي عن ابن عامر أنه قرأ بالفوقية في { يجمعون } ، والتحتية في { فلتفرحوا } .

/خ58