فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللَّهِ وَبِرَحۡمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلۡيَفۡرَحُواْ هُوَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ} (58)

ثم أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم وجعل الخطاب معه بعد خطابه للناس على العموم فقال : { قل بفضل الله وبرحمته } المراد بالفضل من الله سبحانه تفضله على عباده في الآجل والعاجل بما لا يحيط به الحصر والرحمة رحمة لهم ، وروي عن ابن عباس أنه قال : ( فضل الله القرآن ورحمته الإسلام ) وعن الحسن والضحاك ومجاهد وقتادة ( أن فضل الله الإيمان ورحمته القرآن ) .

وعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فضل الله القرآن ورحمته : أن جعلكم من أهله . رواه أبو الشيخ وابن مردويه : وقد روي عن جماعة من التابعين نحو هذه الروايات المتقدمة والأولى حمل الفضل والرحمة على العموم ويدخل في ذلك ما في القرآن منهما دخولا أوليا .

وتكرير الباء في برحمته للدلالة على أن كل واحد من الفضل والرحمة سبب مستقل في الفرح وأصل الكلام قل بفضل الله وبرحمته فيفرحوا ثم حذف هذا الفعل لدلالة الثاني عليه في قوله : { فبذلك فليفرحوا } وقيل إن فرحوا بشيء فليخصوا فضل الله ورحمته بالفرح وهو اللذة في القلب بسبب إدراك المطلوب وتقديم الظرف على الفعل لإفادة الحصر والتكرير للتأكيد والتقرير وإيجاب اختصاص الفضل والرحمة بالفرح دون ما عداهما من فوائد الدنيا وفي هاتين الفائين أوجه ذكرها في الجمل .

وقد ذم الله سبحانه الفرح في مواطن كقوله { لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين } وجوزه في قوله { فرحين بما آتاهم الله من فضله } وكما في هذه الآية وقيل التقدير جاءتكم موعظة بفضل الله ورحمته فبذلك أي فبمجيئهما فليفرحوا { هو خير } أي إن هذا خير لهم { مما يجمعون } من حطام الدنيا ولذاتها الفانية قرئ بالياء والتاء وهما سبعيتان .