معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٖۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَكۡثَرَ شَيۡءٖ جَدَلٗا} (54)

قوله تعالى : { ولقد صرفنا } بينا { في هذا القرآن للناس من كل مثل } أي : ليتذكروا ويتعظوا { وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً } خصومة في الباطل . قال ابن عباس : أراد النضر بن الحارث وجداله في القرآن . قال الكلبي : أراد به أبي بن خلف الجمحي . وقيل : المراد من الآية الكفار ، لقوله تعالى : { ويجادل الذين كفروا بالباطل } [ الكهف – 56 ] . وقيل : هي على العموم ، وهذا أصح .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، أنبأنا محمد بن إسماعيل ، أنا أبو اليمان ، أنا شعيب ، عن الزهري ، أنبأنا علي بن الحسين ، أن الحسين بن علي أخبره : أن علياً أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً ليلة فقال : ألا تصليان ؟ فقلت : يا رسول الله إن أنفسنا بيد الله ، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا ، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قلت له ذلك ولم يرجع إلي شيئاً ، ثم سمعته وهو مول يضرب فخذه وهو يقول : " وكان الإنسان أكثر شيءً جدلاً " .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٖۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَكۡثَرَ شَيۡءٖ جَدَلٗا} (54)

وقوله - سبحانه - { صرفنا } من التصريف بمعنى التنويع والتكرير .

والمثل : هو القول الغريب السائر فى الآفاق الذى يشبه مضربه مورده .

وقد أكثر القرآن من ضرب الأمثال لإِيضاح المعنى الخفى وتقريب الأمر المعقول من الأمر المحسوس ، وعرض الأمر الغائب فى صورة الحاضر .

والمعنى : ولقد كررنا ورددنا ونوعنا فى هذا القرآن من أجل هداية الناس ، ورعاية مصلحتهم ومنفعتهم ، من كل مثل من الأمثال التى تهدى النفوس ، وتشفى القلوب ، لعلهم بذلك يسلكون طريق الحق ، ويتركون طريق الباطل .

فالمقصود بهذه الجملة الكريمة ، الشهادة من الله - تعالى - بأن هذا القرآن الذى أنزله - سبحانه - على نبيه صلى الله عليه وسلم فيه من الأمثال الكثيرة المتنوعة النافعة ، ما يرشد الناس إلى طريق الحق والخير ، متى فتحوا قلوبهم له . وأعملوا عقولهم لتدبره وفهمه .

ومفعول { صرفنا } محذوف ، و " من " لابتداء الغاية ، أى : ولقد صرفنا البينات والعبر والحكم فى هذا القرآن ، من أنواع ضرب المثل لمنفعة الناس ليهتدوا ويذكروا .

ثم بين - سبحانه - موقف الإِنسان من هذه الأمثال فقال : { وَكَانَ الإنسان أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً } .

والمراد بالإنسان : الجنس ، ويدخل فيه الكافر والفاسق دخولا أوليا .

والجدل : الخصومة والمنازعة مع الغير فى مسألة من المسائل .

أى : وكان الإنسان أكثر شئ مجادلة ومنازعة لغيره ، أى : أن جدله أكثر من جدل كل مجادل .

قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية : ولقد بينا للناس فى هذا القرآن ، ووضحنا لهم الأمور ، وفصلناها ، كيلا يضلوا عن الحق . . ومع هذا البيان ، فالإنسان كثير المجادلة والمعارضة للحق بالباطل ، إلا من هدى الله وبصره لطريق النجاة .

قال الإمام أحمد : " حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب . عن الزهرى قال : أخبرنى على بن الحسني ، أن الحسين بن على أخبره ، أن على بن أبى طالب أخبره . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرق عليا وفاطمة ليلة فقال : " ألا تصليان ؟ " فقلت : يا رسول الله ، إنما أنفسنا بيد الله . . فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا . فانصرف حين قلت ذلك ولم يرفع إلى بشئ ثم سمعته وهو مول يضرب فخذه ويقول : " وكان الإِنسان أكثر شئ جدلا " " .

وفى التعبير عن الإنسان فى هذه الجملة بأنه { شئ } وأنه { أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً } إشعار لهذا الإِنسان بأن من الواجب عليه أن يقلل من غروره وكبريائه . وأن يشعر بأنه خلق من مخلوقات الله الكثيرة ، وأن ينتفع بأمثال القرآن ومواعظه وهداياته . . لا أن يجادل فيها بالباطل .

ومنهم من يرى أن المراد بالإنسان هنا : الكافر ، أو شخص معين ، قيل : هو النضر بن الحارث ، وقيل : أبى بن خلف .

لكن الظاهر أن المراد به العموم - كما أشرنا - ويدخل فيه هؤلاء دخولا أوليا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٖۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَكۡثَرَ شَيۡءٖ جَدَلٗا} (54)

{ ولقد صرّفنا في هذا القرآن للناس من كل مثلٍ } من كل جنس يحتاجون إليه . { وكان الإنسان أكثر شيء } يتأتى منه الجدل . { جدلا } خصومة بالباطل وانتصابه على التمييز .