معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلۡمُؤۡمِنُ ٱلۡمُهَيۡمِنُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡجَبَّارُ ٱلۡمُتَكَبِّرُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (23)

قوله تعالى : { هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس } الطاهر من كل عيب ، المنزه عما لا يليق به ، { السلام } الذي سلم من النقائص ، { المؤمن } قال ابن عباس : هو الذي أمن الناس من ظلمه وأمن من آمن به من عذابه ، هو من الأمان الذي هو ضد التخويف كما قال : { وآمنهم من خوف }( قريش- 4 ) وقيل : معناه المصدق لرسله بإظهار المعجزات ، والمصدق للمؤمنين بما وعدهم من الثواب ، وللكافرين بما أوعدهم من العقاب . { المهيمن } الشهيد على عباده بأعمالهم ، وهو قول ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي ، ومقاتل : هيمن فهو مهيمن ، إذا كان رقيباً على الشيء ، وقيل : هو في الأصل مؤيمن قلبت الهمزة هاء ، كقولهم : أرقت وهرقت ، ومعناه ، المؤمن . وقال الحسن : الأمين . وقال الخليل : هو الرقيب الحافظ . وقال ابن زيد : المصدق . وقال سعيد بن المسيب ، والضحاك : القاضي . وقال ابن كيسان : هو اسم من أسماء الله تعالى في الكتب والله أعلم بتأويله . { العزيز الجبار } قال ابن عباس : الجبار هو العظيم ، وجبروت الله عظمته ، وهو على هذا القول صفة ذات لله ، وقيل : هو من الجبر وهو الإصلاح ، يقال : جبرت الكسر ، والأمر ، وجبرت العظم إذا أصلحته بعد الكسر ، فهو يغني الفقير ويصلح الكسير . وقال السدي ومقاتل : هو الذي يقهر الناس ويجبرهم على ما أراد . وسئل بعضهم عن معنى الجبار فقال : هو القهار الذي إذا أراد أمراً فعله لا يحجزه عنه حاجز . { المتكبر } الذي تكبر عن كل سوء . وقيل : المتعظم عما لا يليق به . وأصل الكبر ، والكبرياء : الامتناع . وقيل : ذو الكبرياء ، وهو الملك .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلۡمُؤۡمِنُ ٱلۡمُهَيۡمِنُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡجَبَّارُ ٱلۡمُتَكَبِّرُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (23)

وقوله - سبحانه - : { هُوَ الله الذي لاَ إله إِلاَّ هُوَ . . . } تأكيد لأمر التوحيد لأن مقام التعيم يقتضى ذلك .

ثم عدد - سبحانه - بعد ذلك بعض أسمائه الحسنى ، وصفاته الجليلة فقال : { الملك } أى : المالك لجميع الأشياء ، والحاكم على جميع المخلوقات والمتصرف فيها تصرف المالك فى ملكه .

{ القدوس } أى : المنزه عن كل نقص ، البالغ أقصى ما يتصوره العقل فى الطهارة وفى البعد عن النقائص والعيوب ، وعن كل مالا يليق .

من القدس بمعنى الطهارة ، والقدَس - بفتح الدال - اسم للإناء الذى يتطهر به ومنه القادوس .

وجاء لفظ القدوس بعد لفظ الملك ، للإشعار بأنه - تعالى - وإن كان مالكا لكل شىء ، إلا أنه لا يتصرف فيما يملكه تصرف الملوك المغرورين الظالمين ، وإنما يتصرف فى خلقه تصرفا منزها عن كل ظلم ونقص وعيب .

{ السلام } أى : ذو السلامة من كل ما لا يليق ، أو ذو السلام على عباده فى الجنة ، كما قال - تعالى - { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } { المؤمن } أى : الذى وهب لعباده نعمة الأمان والاطمئنان ، والذى صدق رسله بأن أظهر على أيديهم المعجزات التى تدل على أنهم صادقون فيما يبلغونه عنه .

{ المهيمن } أى : الرقيب على عباده ، الحافظ لأقوالهم وأفعالهم وأحوالهم ، من الأمن ، ثم قلبت همزته هاء ، وقيل أصله هيمن بمعنى رقب ، فهاؤه أصلية .

{ العزيز } أى : الذى يغلب غيره ، ولا يتجاسر على مقامه أحد .

{ الجبار } أى : العظيم القدرة ، القاهر فوق عباده .

قال القرطبى : قال ابن عباس : الجبال : هو العظيم . وجبروت الله عظمته . وهو على هذا القول صفة ذات ، من قولهم : نخلة جبارة .

وقيل هو من الجبر وهو الإصلاح ، يقال : جبرت العظم فجبر ، إذا أصلحته بعد الكسر ، فهو فعال من جبر ، إذا أصلح الكسير وأغنى الفقير .

{ المتكبر } أى : الشديد الكبرياء ، والعظمة والجلالة ، والتنزه عما لا يليق بذاته . وهاتان الصفتان - الجبال المتكبر - صفتا مدح بالنسبة لله - تعالى - ، وصفتا ذم بالنسبة لغيره - تعالى - ، وفى الحديث الصحيح عن أبى هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال فيما يرويه عن ربه : " الكبرياء ردائى ، والعظمة إزارى ، فمن نازعنى فى واحد منهما قصمته . ثم قذفته فى النار " .

{ سُبْحَانَ الله عَمَّا يُشْرِكُونَ } أى : تنزه - سبحانه - وتقدس عن إشراك المشركين . وكفر الكافرين .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلۡمُؤۡمِنُ ٱلۡمُهَيۡمِنُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡجَبَّارُ ٱلۡمُتَكَبِّرُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (23)

وقوله{[28624]} { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ } أي : المالك لجميع الأشياء المتصرف فيها بلا ممانعة ولا مدافعة .

وقوله : { الْقُدُّوسُ } قال وهب بن منبه : أي الطاهر . وقال مجاهد ، وقتادة : أي المبارك : وقال ابن جريج : تقدسه الملائكة الكرام .

{ السَّلامُ } أي : من جميع العيوب والنقائص ؛ بكماله{[28625]} في ذاته وصفاته وأفعاله .

وقوله : { الْمُؤْمِنُ } قال الضحاك ، عن ابن عباس : [ أي ] {[28626]} أمن خلقه من أن يظلمهم . وقال قتادة : أمَّن بقوله : إنه حق . وقال ابن زيد : صَدّق عبادَه المؤمنين في أيمانهم به .

وقوله : { الْمُهَيْمِنُ } قال ابن عباس وغير واحد : أي{[28627]} الشاهد على خلقه بأعمالهم ، بمعنى : هو رقيب عليهم ، كقوله : { وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [ البروج : 9 ] ، وقوله { ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ } [ يونس : 46 ] .

وقوله : { أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } الآية [ الرعد : 33 ] .

وقوله : { الْعَزِيزُ } أي : الذي قد عزّ كل شيء فقهره ، وغلب الأشياء فلا ينال جنابه ؛ لعزته وعظمته وجبروته وكبريائه ؛ ولهذا قال : { الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ } أي : الذي لا تليق الجَبْرّية إلا له ، ولا التكبر إلا لعظمته ، كما تقدم في الصحيح : " العَظَمة إزاري ، والكبرياء ردائي ، فمن نازعني واحدًا منهما عَذَّبته " .

وقال قتادة : { الجبار } : الذي جَبَر خلقه على ما يشاء .

وقال ابن جرير : { الجبار } : المصلحُ أمورَ خلقه ، المتصرف فيهم بما فيه صلاحهم .

وقال قتادة : { المتكبر } : يعني عن كل سوء .

ثم قال : { سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } {[28628]} .


[28624]:- (6) في م: "ثم قال".
[28625]:-(1) في م: "لكماله".
[28626]:- (2) زيادة من م.
[28627]:- (3) في م: "إنه".
[28628]:-(4) في م: "يصفون" وهو خطأ.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلۡمُؤۡمِنُ ٱلۡمُهَيۡمِنُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡجَبَّارُ ٱلۡمُتَكَبِّرُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (23)

وقرأ جمهور الناس : «القُدوس » بضم القاف ، وهو فعول من تقدس إذا تطهر ، وحظيرة القدس الجنة ، لأنها طاهرة ، ومنه روح القدس ، ومنه الأرض المقدسة بيت المقدس ، وروي عن أبي ذر أنه قرأ : «القَدوس » بفتح القاف وهي لغة ، و { السلام } معناه : الذي سلم من جوره ، وهذا اسم على حذف مضاف أي ذو { السلام } ، لأن الإيمان به وتوحيده وأفعاله هي لمن آمن سلام كلها ، و { المؤمن } اسم فاعل من آمن بمعنى أمن . قال أحمد بن يحيى ثعلب معناه : المصدق للمؤمنين في أنهم آمنوا . قال النحاس : أو في شهادتهم على الناس في القيامة . وقال ناس من المتأولين معناه : المصدق نفسه في أقواله الأزلية : لا إله غيره و { المهيمن } معناه : الأمين والحفيظ . قاله ابن عباس وقال مؤرج : { المهيمن } : الشاهد بلغة قريش ، وهذا بناء لم يجئ منه في الصفات إلا مهيمن ومسيطر ومبيقر ومبيطر ، جاء منه في الأسماء مجيمر : وهو اسم واد ومديبر . و : { العزيز } الذي لا يغلب والقاهر الذي لا يقهر يقال عزيز إذا غلب برفع العين في المستقبل . قال الله تعالى : { وعزني في الخطاب } [ ص : 23 ] أي غلبني ، وفي المثل من عز بزّ أي من غلب سلب ، و { الجبار } هو الذي لا يدانيه شيء ولا يلحق رتبه ، ومنه نخلة جبارة إذا لم تلحق وأنشد الزهراوي : [ الطويل ] .

أطافت به جيلان عند قطاعه . . . وردت إليه الماء حتى تجبرا{[11033]} .

و { المتكبر } معناه الذي له التكبر حقاً ، ثم نزه الله تعالى نفسه عن إشراك الكفار به الأصنام التي ليس لها شيء من هذه الصفات .


[11033]:هذا البيت لامرئ القيس، وهو من قصيدته التي قالها حين توجه إلى قيصر مستنجدا به على بني أسد، وهو في الديوان، واللسان، والتاج-مادة الجيل- والشاعر يصف هنا وفي الأبيات التي قبل هذا نخيلا ارتفع وعلا، وكثرت فروعه، وتدلت القنوان منه بالبسر الأحمر وجيلان-بكسر الجيم- قوم كان كسرى يرسلهم عمالا إلى البحرين،- وقد تضبط (جَيلان) بفتح الجيم- يقول: طافت بهذا النخل جيلان عند قطافه، وجمعت حوله الماء حتى ارتفع في السماء عاليا. والشاهد على هذا في قوله: "تجبرا"، ولكن الرواية في الديوان وفي التاج "حتى تحيرا" بالحاء والياء، وقد اختلفت الروايات في البيت، فروي: أتيح له جيلان عند جَذاذه وردد فيه الطرف حتى تحيرا ورواية التهذيب:"عند جداره"، ورواية شرح القاموس:"عند قطافه"، ورواية الديوان:"وردد فيه العين حتى تحيرا"، وعلى كل هذه الرويات لا شاهد في البيت، والتحير يرجع إلى الطرف، فقد تحير في ارتفاع النخل وكثرة فروعه.