معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ لِمَ تُؤۡذُونَنِي وَقَد تَّعۡلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡۖ فَلَمَّا زَاغُوٓاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

{ وإذ قال موسى لقومه } من بني إسرائيل : { يا قوم لم تؤذونني } وذلك حين رموه بالأدرة ، { وقد تعلمون أني رسول الله إليكم } والرسول يعظم ويحترم . { فلما زاغوا } عدلوا عن الحق ، { أزاغ الله قلوبهم } أمالها عن الحق ، يعني أنهم لما تركوا الحق بإيذاء نبيهم أمال الله قلوبهم عن الحق ، { والله لا يهدي القوم الفاسقين } قال الزجاج : يعني لا يهدي من سبق في علمه أنه فاسق .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ لِمَ تُؤۡذُونَنِي وَقَد تَّعۡلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡۖ فَلَمَّا زَاغُوٓاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

ثم ساق - سبحانه - جانبا مما قاله موسى - عليه السلام - لقومه . وكيف أنهم عندما انصرفوا عن الحق ، عاقبهم - سبحانه - بما يستحقون من عقاب فقال : { وَإِذْ قَالَ موسى . . . } .

موسى - عليه السلام - هو انب عمران ، وهو واحد من أولى العزم من الرسل ، وينتهى نسبه إلى إبراهيم - عليه السلام - .

وقد أرسله الله - تعالى - إلى فرعون وقومه وإلى بنى إسرائيل ، وقد لقى - عليه السلام - من الجميع أذى كثيرا .

ومن ذلك أن فرعون وقومه وصفوه بأنه ساحر ، وبأنه مهين ، ولا يكاد يبين .

وأن بنى إسرائيل قالوا له عندما أمرهم بطاعته : وسمعنا وعصينا ، وقالوا له : أرنا الله جهرة وقالوا له : اجعل لنا إلها كما لهم آلهة . . . وقالوا له : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون .

وقالوا عنه : إنه مصاب فى جسده بالأمراض ، فبرأه الله - تعالى - مما قالوا .

قال ابن كثير : وفى هذا تسلية لرسوله - صلى الله عليه وسلم - فيما أصابه من الكفار من قومه وغيرهم ، وأمر له بالصبر ، ولهذا قال : " رحمة الله على موسى ، لقد أوذى بأكثر من هذا فصبر " .

وفيه نهى للمؤمنين عن أن ينالوا من النبى - صلى الله عليه وسلم - ، أو يوصلوا إليه أذى ، كما قال - تعالى - { ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كالذين آذَوْاْ موسى فَبرَّأَهُ الله مِمَّا قَالُواْ وَكَانَ عِندَ الله وَجِيهاً } أى : واذكر - أيها الرسول الكريم - وذكر أتباعك ليتعظوا ويعتبروا ، وقت أن قال موسى - عليه السلام - لقومه على سبيل الإنكار والتعجيب من حالهم .

{ ياقوم لِمَ تُؤْذُونَنِي } : قال لهم : يا أهلى ويا عشيرتى لماذا تلحقون الأذى بى ؟ .

" وقد " فى قوله - تعالى - : { وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ } للتحقيق ، والجملة حالية ، وجىء بالمضارعة بعد " قد " للدلالة على أن علمهم بصدقه متجدد بتجدد ما يأتيهم به من آيات ومعجزات .

قال الجمل : قوله : { وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ } قد للتحقيق . أى : تحقيق علمهم . أى : لا للتقريب ولا للتقليل ، وفائدة ذكرها التأكيد ، والمضارع بمعنى الماضى .

أى : وقد علمتم ، وعبر بالمضارع ليدل على استصحاب الحال ، وعلى أنها مقررة للإنكار . فإن العلم برسالته يوجب تعظيمه ، ويمنع إيذاءه ؛ لأن من عرف الله - تعالى - وعظمته ، عظَّم رسوله .

ثم بين - سبحانه - ما ترتب على إيثارهم الغى على الهدى ، فقال : { فَلَمَّا زاغوا أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ } .

والزيغ : هو الميل عن طريق الحق ، يقال : زاغ يزيغ زيغا وزيغانا ، إذا مال عن الجادة ، وأزاغ فلان فلانا ، إذا حوله عن طريق الخير إلى طريق الشر .

أى : فلما أصروا على الميل عن الحق مع علمهم به . واستمروا على ذلك دون أن تؤثر المواعظ فى قلوبهم . . . أمال الله - تعالى - قلوبهم عن قبول الهدى .

لإيثارهم الباطل على الحق والضلالة على الهداية .

كما قال - تعالى - : { وَمَن يُشَاقِقِ الرسول مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المؤمنين نُوَلِّهِ مَا تولى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً } وقوله - سبحانه - : { والله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين } تذييل قصد به التقرير لما قبله ، من أن الزيغ يؤدى إلى عدم الهداية ، وبيان سنة من سنن الله فى خلقه ، وهى أن من استحب العمى على الهدى ، وأصر على ذلك . . . كانت عاقبه الخسران .

أى : وقد اقتضت حكمة الله - تعالى - أن لا يهدى القوم الخارجين عن طريق الحق ، إلى ما يسعدهم فى حياتهم وبعد مماتهم ، لأنهم هم الذين اختاروا طريق الشقاء ، وأصروا على سولكها .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ لِمَ تُؤۡذُونَنِي وَقَد تَّعۡلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡۖ فَلَمَّا زَاغُوٓاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

يقول تعالى مخبرًا عن عبده ورسوله وكليمه موسى بن عمران عليه السلام أنه قال لقومه : { لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ } أي : لم توصلون الأذى إليّ وأنتم تعلمون صدقي فيما جئتكم به من الرسالة ؟ . وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أصاب{[28781]} من الكفار من قومه وغيرهم ، وأمر له بالصبر ؛ ولهذا قال : " رحمة الله على موسى : لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر " {[28782]} وفيه نهي للمؤمنين أن ينالوا من النبي صلى الله عليه وسلم أو يُوَصّلوا إليه أذى ، كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا }[ الأحزاب : 69 ] .

وقوله : { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } أي : فلما عدلوا عن اتباع الحق مع علمهم به ، أزاغ الله قلوبهم عن الهدى ، وأسكنها الشك والحيرة والخذلان ، كما قال تعالى : { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }[ الأنعام : 110 ] وقال :{ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا }[ النساء : 115 ] ولهذا قال الله تعالى في هذه الآية : { وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } .


[28781]:- (1) في م: "فيما أصابه".
[28782]:- (2) رواه البخاري في صحيحه برقم (3405) ومسلم في صحيحه برقم (10622) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ لِمَ تُؤۡذُونَنِي وَقَد تَّعۡلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡۖ فَلَمَّا زَاغُوٓاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

{ وإذ قال موسى لقومه }مقدرا بأذكر أو كان كذا { يا قوم لم تؤذونني } بالعصيان والرمي بالادرة ، { وقد تعلمون أني رسول الله إليكم } بما جئتكم من المعجزات ، والجملة حال مقررة للإنكار فإن العلم بنبوته يوجب تعظيمه ويمنع إيذاءه وقد لتحقيق العلم ، { فلما زاغوا }عن الحق{ أزاغ الله قلوبهم }صرفها عن قبول الحق والميل إلى الصواب ، { والله لا يهدي الفاسقين }هداية موصلة إلى معرفة الحق أو إلى الجنة .