فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ لِمَ تُؤۡذُونَنِي وَقَد تَّعۡلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡۖ فَلَمَّا زَاغُوٓاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

{ وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ } لما ذكر سبحانه أنه يحبّ المقاتلين في سبيله بيّن أن موسى وعيسى أمرا بالتوحيد وجاهدا في سبيل الله وحلّ العقاب بمن خالفهما ، والظرف متعلق بمحذوف هو اذكر : أي اذكر يا محمد لهؤلاء المعرضين وقت قول موسى ، ويجوز أن يكون وجه ذكر قصة موسى وعيسى بعد محبة المجاهدين في سبيل الله التحذير لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يفعلوا مع نبيهم ما فعله قوم موسى وعيسى معهما { يا قوم لِمَ تُؤْذُونَنِي } هذا مقول القول : أي لم تؤذونني بمخالفة ما أمركم به من الشرائع التي افترضها الله عليكم ، أو لم تؤذونني بالشتم والانتقاص ، ومن ذلك رميه بالأدرة ، وقد تقدّم بيان هذا في سورة الأحزاب ، وجملة : { وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنّى رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ } في محلّ نصب على الحال ، «وقد » لتحقق العلم أو لتأكيده ، وصيغة المضارع للدلالة على الاستمرار ، والمعنى : كيف تؤذونني مع علمكم بأني رسول الله ، والرسول يحترم ويعظم ، ولم يبق معكم شك في الرسالة لما قد شاهدتم من المعجزات التي توجب عليكم الاعتراف برسالتي ، وتفيدكم العلم بها علماً يقينياً { فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ } : أي لما أصرّوا على الزيغ واستمرّوا عليه أزاغ الله قلوبهم عن الهدى ، وصرفها عن قبول الحقّ ، وقيل : فلما زاغوا عن الإيمان أزاغ الله قلوبهم عن الثواب . قال مقاتل : لما عدلوا عن الحق أمال الله قلوبهم عنه ، يعني : أنهم لما تركوا الحقّ بإيذاء نبيهم أمال الله قلوبهم عن الحق جزاء بما ارتكبوا { والله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين } هذه الجملة مقرّرة لمضمون ما قبلها . قال الزجاج : لا يهدي من سبق في علمه أنه فاسق ، والمعنى : أنه لا يهدي كل متصف بالفسق وهؤلاء من جملتهم .

/خ9