فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ لِمَ تُؤۡذُونَنِي وَقَد تَّعۡلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡۖ فَلَمَّا زَاغُوٓاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

ولما ذكر تعالى الجهاد المشتمل على المشاق وأنه يحب المقاتلين في سبيله ، ذكر قصتي موسى وعيسى تسلية لنبيه صلى الله عليه وسلم ، ليصبر على أذى قومه ، وبين أنهما أمرا بالتوحيد ، وجاهدا في سبيل الله ، وجعل العقاب لمن خالفهما مبتدئا بقصة موسى لتقدمه في الزمان فقال :{ وإذ قال موسى لقومه } أي أذكر يا محمد لهؤلاء المعرضين وقت قول موسى ، ويجوز أن يكون وجه ذكر قصة موسى وعيسى بعد محبة المجاهدين في سبيل الله التحذير لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، أن يفعلوا مع نبيهم ما فعله قوم موسى وعيسى معهما { يا قوم لم تؤذونني } هذا مقول القول ، أي لم تؤذونني بمخالفة ما آمركم به من الشرائع التي افترضها الله عليكم ، أو بالشتم والانتقاص ومن ذلك رميه بالأدرة ، وقد تقدم بيان هذا في سورة الأحزاب .

وجملة :{ وقد تعلمون أني رسول الله إليكم } في محل نصب على الحال ، وقد لتحقق العلم أو لتأكيده لا للتقريب ولا للتقليل ، وصيغة المضارع للدلالة على الاستمرار ، والمعنى كيف تؤذونني مع علمكم بذلك ؟ والرسول يحترم ويعظم ، ولم يبق معكم شك في الرسالة لما قد شاهدتم من المعجزات التي توجب عليكم الاعتراف برسالتي ، وتفيدكم العلم بها علما يقينيا .

{ فلما زاغوا } عن الإيمان وأصروا على الزيغ واستمروا عليه ، { أزاغ الله قلوبهم } عن الهدى وصرفها عن قبول الحق ، وقيل : صرفها عن الثواب قال مقاتل : لما عدلوا عن الحق أي بإيذاء نبيهم أمال الله قلوبهم عنه ، جزاء بما ارتكبوا " ، أو المعنى لما تركوا أوامره نزع نور الإيمان من قلوبهم ، أو فلما اختاروا الزيغ أزاغ الله قلوبهم ، أي خذلهم وحرمهم توفيق إتباع الحق .

{ والله لا يهدي القوم الفاسقين } هذه الجملة مقررة لمضمون ما قبلها ، قال الزجاج : لا يهدي من سبق في علمه أنه فاسق ، والمعنى أنه لا يهدي كل متصف بالفسق وهؤلاء من جملتهم وإن من أسلم منهم لم يكن كافرا في علمه ، أي محتوما عليه بالكفر بحيث يموت عليه .