تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ لِمَ تُؤۡذُونَنِي وَقَد تَّعۡلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡۖ فَلَمَّا زَاغُوٓاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

وحدة الرسالات

{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ( 5 ) وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ( 6 ) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( 7 ) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ( 8 ) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ( 9 ) }

المفردات :

تؤذونني : تخالفون أمري بترك القتال .

زاغوا : مالوا عن الحق وأصروا على الزيغ والانحراف عن الحق ، الذي جاء به موسى عليه السلام .

أزاغ الله قلوبهم : صرفها عن قبول الهداية .

الفاسقين : الخارجين عن الطاعة ومنهاج الصدق ، المصرّين على الغواية .

التفسير :

5- { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } .

تسجل الآية جهاد موسى كليم الله مع قومه ، فقد صبر صابر ، واحتمل أذاهم ، فقد اتهموه بأنه آدر كبير الخصية ، فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها . ( الأحزاب : 69 ) . وأغروا امرأة زانية أن تتهم موسى بأنه والد طفلها ، فأنطق الله الصبيّ ببراءة موسى .

ونجى الله موسى وقومه من فرعون ، وعبر بهم موسى البحر ، { فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ( 138 ) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } . ( الأعراف : 138-139 ) .

وما كاد موسى يذهب لميقات ربه على الجبل ليتلقى الألواح ، حتى أضلهم السامريّ : فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي . ( طه : 88 ) .

وطلبوا من موسى أن يحكم بينهم في قتيل وجد بين قريتين ، وكل قرية تتهم الأخرى ، فطلب موسى من قومه أن يذبحوا بقرة ويضربوه ببعضها ، فأخذوا يتشددون على أنفسهم ، ويسألون عن صفة البقرة ، ثم عن لون البقرة ، ثم عن عمر البقرة ، وبعد لَأْي ذبحوها ، وما كادوا يفعلون . ( البقرة : 71 ) .

وطلبوا يوم عطلة يكون مقدسا ، فلما كُتب عليهم السبت اعتدوا فيه ، ووقفوا أمام الأرض المقدسة متخاذلين ، يقولون : { يا موسى إنّ فيها قوما جبّارين وإنّا لن ندخلها حتى يخرجوا منها . . . }( المائدة : 22 ) .

فلما كرر عليهم التحضيض والتشجيع ، تبجّحوا وكفروا وقالوا :

{ يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون } . ( المائدة : 24 ) .

لهذا وغيره توجه إليهم موسى معاتبا في مودة ، يقول :

{ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ . . . }

فلما أعرضوا عن هدى التوراة ، وروح الدين ، واستجابة المؤمنين ، طمس الله على قلوبهم .

{ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } .

إن من خرج على دين الله ، وتكبّر وتجبّر على هدى السماء ، يسلب الله عنه الهدى والتوفيق ، لأنهم لا يصلحون لخلافة السماء وهم على هذا الزيغ والفسوق والخروج عن أمر الله .