السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ لِمَ تُؤۡذُونَنِي وَقَد تَّعۡلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡۖ فَلَمَّا زَاغُوٓاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡۚ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

ولما ذكر تعالى الجهاد ذكر قصة موسى وعيسى عليهما السلام تسلية لنبيه صلى الله عليه وسلم ليصبر على أذى قومه ، مبتدئاً بقصة موسى عليه السلام لتقدمه فقال تعالى : { وإذ } أي : واذكر يا أشرف الخلق إذ { قال موسى لقومه } أي : بني إسرائيل ، وقوله : { يا قوم } استعطاف لهم واستنهاض إلى رضا ربهم ، { لم تؤذونني } أي : تجددون أذاي مع الاستمرار ، وذلك حين رموه بالأدرة كما مر في سورة الأحزاب ومن الأذى ما ذكر في قصة قارون أنه دس إلى امرأة تدعي على موسى الفجور ، ومن الأذى قولهم { اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة } [ الأعراف : 138 ] وقولهم : { فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون } [ المائدة : 24 ] وقولهم : أنت قتلت هارون ، وغير ذلك . وقوله تعالى : { وقد تعملون } جملة حالية ، أي : علمتم علماً قطعياً تجدده لكم كل وقت بتجدد أسبابه بما آتيتكم به من المعجزات ، والكتاب الحافظ لكم من الزيغ { إني رسول الله } الملك الأعظم الذي لا كفؤ له { إليكم } ورسوله يعظم ويحترم لا أنه تنتهك جلالته وتخترم ، وأنا لا أقول لكم شيئاً إلا عنه ، ولا أنطق عن الهوى ، { فلما زاغوا } أي : عدلوا عن الحق بمخالفة أوامر الله تعالى وبإيذائه . وقرأ حمزة بالإمالة والباقون بالفتح { أزاغ الله } أي : الملك الذي له الأمر كله { قلوبهم } أي : أمالهم عن الهدى على وفق ما قدره في الأزل { والله } أي : الذي له الحكمة البالغة لأنه المستجمع لصفات الكمال { لا يهدي } أي : بالتوفيق بعد هداية البيان ، { القوم الفاسقين } أي : العريقين في الفسق الذين لهم قوة المحاولة ، فلم يحملهم على الفسق ضعف فاحذروا أن تكونوا مثلهم في العزائم فتساووهم في عقوبات الجرائم ، وهذا تنبيه على عظيم إيذاء الرسل حتى إن أذاهم يؤدي إلى الكفر وزيغ القلوب عن الهدى .