قوله تعالى : { ولا ينفقون نفقة } ، أي : في سبيل الله ، { صغيرة ولا كبيرة } ، ولو علاقة سوط ، { ولا يقطعون واديا } ، لا يجاوزون واديا في مسيرهم مقبلين أو مدبرين . { إلا كتب لهم } ، يعني : آثارهم وخطاهم ، { ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون } . روي عن خريم بن فاتك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أنفق نفقة في سبيل الله كتب له سبعمائة ضعف " .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنا عبد الغافر بن محمد ، أنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، أخبرنا جرير ، عن الأعمش ، عن أبي عمرو الشيباني ، عن أبي مسعود الأنصاري قال : " جاء رجل بناقة مخطومة فقال : هذه في سبيل الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة " . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو معمر ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا الحسين حدثني يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة ، حدثني بسر بن سعيد ، حدثني زيد بن خالد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا ، ومن خلف غازيا في سبيل الله بخبر فقد غزا " .
وقوله : { وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً } معطوف على ما قبله .
أى : وكذلك ولا يتصدقون بصدقة صغيرة ، كالتمرة ونحوها ، ولا كبيرة كما فعل عثمان - رضى الله عنه - في هذه الغزوة ، فقد تصدق بالكثير .
{ وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً } من الوديان في مسيرهم إلى عدوهم ، أو رجوعهم عنه .
لا يفعلون شيئا من ذلك أيضا { إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ } أى : إلا كتب لهم ثوابه في سجل حسناتهم .
{ لِيَجْزِيَهُمُ الله أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أى : أمرهم بمصاحبة نبيهم في كل غزواته ، وكلفهم بتحمل مشاق الجهاد ومتاعبه ليجزيهم على ذلك أحسن الجزاء وأعظمه ، فأنت ترى أن الله - تعالى - قد حضر المؤمنين على الجهد في هاتين الآيتين ، وبين لهم أن كل ما يلاقونه في جهادهم من متاعب له ثوابه العظيم ، وما دام الأمر كذلك فعليهم أن يصاحبوا رسولهم - صلى الله عليه وسلم - في جميع غزواته ، لأن التخلف عنه لا يليق بالمؤمنين الصادقين ، فضلا عن أن هذا التخلف - بدون عذر شرعى - سيؤدى إلى الخسران في الدنيا والآخرة .
( وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ )
وإنه على النفقة الصغيرة والكبيرة أجر . وعلى الخطوات لقطع الوادي أجر . . أجر كأحسن ما يعمل المجاهد في الحياة .
ألا واللّه ، إن اللّه ليجزل لنا العطاء . وإنها واللّه للسماحة في الأجر والسخاء . وإنه لما يخجل أن يكون ذلك كله على أقل مما احتمله رسول اللّه - [ ص ] - من الشدة واللأواء . في سبيل هذه الدعوة التي نحن فيها خلفاء ، وعليها بعده أمناء !
يقول تعالى : ولا ينفق هؤلاء الغزاة في سبيل الله { نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً } أي : قليلا ولا كثيرا { وَلا يَقْطَعُونَ وَادِيًا } أي : في السير إلى الأعداء { إِلا كُتِبَ لَهُمْ } ولم يقل ها هنا " به " لأن هذه أفعال صادرة عنهم ؛ ولهذا قال : { لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } .
وقد حصل لأمير المؤمنين عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، من هذه الآية الكريمة حظ وافر ، ونصيب عظيم ، وذلك أنه أنفق في هذه الغزوة النفقات الجليلة ، والأموال الجزيلة ، كما قال عبد الله بن الإمام أحمد :
حدثنا أبو موسى العنزي ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، حدثني سَكَن بن المغيرة ، حدثني الوليد بن أبي هاشم ، عن فرقد أبي طلحة ، عن عبد الرحمن بن خَبَّاب السلمي قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحث على جيش العسرة ، فقال عثمان بن عفان ، رضي الله عنه : عليَّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها . قال : ثم حث ، فقال عثمان : عليَّ مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها . قال : ثم نزل مرْقاة من المنبر ثم حث ، فقال عثمان بن عفان : علىَّ مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها . قال : فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بيده هكذا - يحركها . وأخرج عبد الصمد يده كالمتعجب : " ما على عثمان ما عمل بعد هذا " . {[13992]} وقال عبد الله أيضا : حدثنا هارون بن معروف ، حدثنا ضَمْرَة ، حدثنا عبد الله بن شَوْذَب ، عن عبد الله بن القاسم ، عن كثير مولى عبد الرحمن بن سَمُرة ، عن عبد الرحمن بن سمرة قال : جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار في ثوبه حين{[13993]} جَهَّز النبي صلى الله عليه وسلم جيش العسرة قال : فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها بيده ويقول : " ما ضَرّ ابن عفان ما عمل بعد اليوم " . يرددها مرارا . {[13994]} وقال قتادة في قوله تعالى : { وَلا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلا كُتِبَ لَهُمْ } الآية : ما ازداد قوم من أهليهم في سبيل الله بعدًا إلا ازدادوا من الله قربا .
{ ولا ينفقون نفقة صغيرة } ولو علاّقة . { ولا كبيرة } مثل ما أنفق عثمان رضي الله تعالى عنه في جيش العسرة . { ولا يقطعون واديا } في مسيرهم وهو كل منعرج ينفذ فيه السيل اسم فاعل من دوي إذا سال فشاع بمعنى الأرض . { إلا كُتب لهم } أثبت لهم ذلك . { ليجزيهم الله } بذلك . { أحسن ما كانوا يعملون } جزاء أحسن أعمالهم أو أحسن جزاء أعمالهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.