اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةٗ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةٗ وَلَا يَقۡطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمۡ لِيَجۡزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحۡسَنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (121)

قوله : { وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً } أي : تمرة فما فوقها ، وعلاقة سوط فما فوقها { وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً } قال الزمخشريُّ : " الوَادِي " : كل منفرجٍ بين جبال وآكام يكونُ منفذاً للسبيل ، وهو في الأصل فاعل من : ودَى ، إذا سَالَ ، ومنه " الوَدِيّ " . وقد شاع في استعمال العرب بمعنى الأرض . وجمع على " أوْدِيَة " ، وليس بقياس ، وكان قياسُه " الأوداي " ، ك " أواصل " جمع : " واصل " ، والأصلُ : ووَاصل ، قلبت " الواو " الأولى همزة . وهم قد يستثقلون واحده ، حتى قالوا : " أقَيْتُ " في " وَقيْتُ " . وحكى الخليل ، وسيبويه ، في تصغير واصل اسم رجل " أوَيْصِل " ، ولا يقولون غيره قال النَّحَّاسُ{[18241]} " ولا أعرفُ فاعلاً وأفعلة سواهُ " وقد استدركَ هذا عليه ؛ فزادُوا : نَادٍ وأندية ؛ وأنشدوا : [ الطويل ]

وفِيهمْ مقامَاتٌ حِسَانٌ وُجُوهُهُمْ *** وأنديَةٌ ينْتَابُهَا القوْلُ والفِعْلُ{[18242]}

والنَّادي المجلسُ .

وقال الفرَّاءُ : إنَّه يجمع على " أوْدَاء " ك " صاحب وأصحاب " ؛ وأنشد لجرير : [ الوافر ]

عَرَفتْ بِبُرقَةِ الأوْدَاءِ رَسْماً *** مُحِيلاً طَالَ عَهْدُكَ مِنْ رُسُومِ{[18243]}

وزاد الرَّاغبُ في " فاعل وأفْعِلَة " : " نَاجٍ وأنْجِيَة " فقد كمُلَتْ ثلاثةُ ألفاظٍ ، في " فاعل وأفْعِلَة " . ويقالُ : أوداه : أي : أهلكه ؛ كأنهم تصَوَّرُوا منه إسالة الدَّم . وسمي الدِّية ديةً ؛ لأنَّها في مقابلة إسالة الدَّم . ومنه " الوَدْيُ " وهو ماءُ الفَحْل عند المداعبة ، وما يخرجُ عند البول ، و " الوَدِيُّ " بكسر الدال وتشديد الياء : صغار النَّحل .

قوله : " إلاَّ كُتِبَ " هذه الجملةُ في محلِّ نصبٍ على الحالِ من " ظَمَأ " وما عطف عليه أي : لا يصيبهم ظمأٌ إلا مكتوباً . وأفرد الضَّمير في " به " ، وإن تقدَّمته أشياء ، إجراء للضمير مجرى اسم الإشارة ، أي : كُتبَ لهم بذلك عملٌ صالحٌ .

قال ابنُ عبَّاسٍ : بكل روعة تنالهم في سبيل الله سبعين ألف حسنةٍ{[18244]} .

وقوله : " إِلاَّ كُتِبَ " كنظيره . يُحتمل أن يعُود على العمل الصالح المتقدم ، وأن يعود على أحد المصدرين المفهومين من " يُنفقُونَ " و " يقْطَعُونَ " ، أي : إلاَّ كتب لهم الإنفاق أو القطع . وقوله : " ليَجْزيهُم " متعلق ب " كُتِبَ " وقوله : { أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } فيه وجهان :

الأول : أنَّ الأحسن من صفة فعلهم وفيها الواجب والمندوب والمباح ، واللهُ تعالى يجزيهم على الأحسنِ ، وهو الواجبُ والمندوب دون المباح .

والثاني : أن الأحسن صفةٌ للجزاء ، أي : يجزيهم جزاء هو أحسن من أعمالهم وأفضل ، وهو الثواب . روى خريم بن فاتك قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم " من أنفقَ نفقةً في سبيلِ اللهِ وكتب اللهُ لهُ سبعمائة ضعفٍ{[18245]} " .


[18241]:ينظر: إعراب القرآن 2/45.
[18242]:تقدم.
[18243]:ينظر البيت في ديوانه 494 برواية الوداء في موضع الأوداء والبحر المحيط 5/92 واللسان (ودى) والقرطبي 8/185 والدر المصون 3/512.
[18244]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (8/185).
[18245]:أخرجه الترمذي 4/145 كتاب فضل الجهاد: باب ما جاء في فضل النفقة في سبيل الله (1628) والنسائي 6/49 كتاب الجهاد: باب فضل النفقة في سبيل الله (3186) وأحمد 4/345.