البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةٗ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةٗ وَلَا يَقۡطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمۡ لِيَجۡزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحۡسَنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (121)

والنفقة الصغيرة قال ابن عباس : كالثمرة ونحوها ، والكبيرة ما فوقها .

وقال الزمخشري : صغيرة ولو تمرة ، ولو علاقة سوط ، .

ولا كبيرة مثل ما أنفق عثمان في جيش العسرة انتهى .

وقدم صغيرة على سبيل الاهتمام كقوله : { لا يغادر صغيرة ولا كبيرة } { ولا أصغر من ذلك ولا أكبر } وإذا كتب أجر الصغيرة فأحرى أجر الكبيرة .

ومفعول كتب مضمر يعود على المصدر المفهوم من ينفقون ويقطعون ، كأنه قيل : كتب لهم هو أي الإنفاق والقطع ، ويجوز أن يعود على قوله : عمل صالح المتقدم الذكر .

وتأخرت هاتان الجملتان وقدّمت تلك الجمل السابقة لأنها أشق على النفس وأنكى في العدو ، وهاتان أهون لأنهما في الأموال وقطع الأرض إلى العدو ، سواء حصل غيظ الكفار والنيل من العدو أم لم يحصلا ، فهذا أعم وتلك أخص .

وكان تعليل تلك آكد ، إذ جاء بالجملة الاسمية المؤكدة بأنّ ، وذكر فيه الأجر .

ولفظ المحسنين تنبيهاً على أنهم حازوا رتب الإحسان التي هي أعلى رتب المؤمنين .

وفي هاتين الجملتين أتى بلام العلة وهي متعلقة بكتب والتقدير : أحسن جزاء الذي كانوا يعملون ، لأنّ عملهم له جزاء حسن ، وله جزاء أحسن ، وهنا الجزاء أحسن جزاء .

وقال أبو عبد الله الرازي : أحسن ما كانوا يعملون فيه وجهان : الأول : أن أحسن من صفة فعلهم ، وفيها الواجب والمندوب دون المباح انتهى .

هذا الوجه فاحتمل أن يكون أحسن بدلاً من ضمير ليجزيهم بدل اشتمال ، كأنه قيل : ليجزي الله أحسن أفعالهم بالأحسن من الجزاء ، أو بما شاء من الجزاء .

ويحتمل أن يكون ذلك على حذف مضاف فيكون التقدير : ليجزيهم جزاءً أحسن أفعالهم .

والثاني : أن الأحسن صفة للجزاء أي : يجزيهم جزاء هو أحسن من أعمالهم وأجلّ وأفضل ، وهو الثواب انتهى ، هذا الوجه ، وإذا كان الأحسن من صفة الجزاء فكيف أضيف إلى الأعمال وليس بعضها منها ؟ وكيف يقع التفضيل إذ ذاك بين الجزاء وبين الأعمال ، ولم يصرح فيه بمن ؟ .