الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةٗ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةٗ وَلَا يَقۡطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمۡ لِيَجۡزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحۡسَنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (121)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ولا ينفقون نفقة} في سبيل الله، {صغيرة ولا كبيرة} يعني قليلا ولا كثيرا، {ولا يقطعون واديا} من الأودية مقبلين ومدبرين، {إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما} يعني الذي {كانوا يعملون}...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ، وسائر ما ذكر، ولا ينالون من عدوّ نيلاً، ولا ينفقون نفقة صغيرة في سبيل الله، ولا يقطعون مع رسول الله في غزوه واديا إلا كتب لهم أجر عملهم ذلك، جزاءً لهم عليه كأحسن ما يجزيهم على أحسن أعمالهم التي كانوا يعملونها وهم مقيمون في منازلهم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

(لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) أي يجزيهم لصالح أعمالهم وأحسنها، ولا يجزيهم لسيئاتهم؛ وهو كقوله: (أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم) [الأحقاف: 16] أخبر أنه يتقبل منهم أحسن ما عملوا، ويكفر عنهم سيئاتهم فعلى ذلك الأول؛ يخبر أنه يجزيهم أحسن ما عملوا في الغزو، ويتجاوز عن سيئاتهم.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا}... والوادي كل منفرج بين جبال وآكام يكون منفذاً للسيل، وهو في الأصل «فاعل» من ودى إذا سال. ومنه الودي. وقد شاع في استعمال العرب بمعنى الأرض. يقولون: لا تصلّ في وادي غيرك... {لِيَجْزِيَهُمُ} متعلق بكتب أي أثبت في صحائفهم لأجل الجزاء.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون} وفيه وجهان:

الأول: أن الأحسن من صفة فعلهم، وفيها الواجب والمندوب والمباح والله تعالى يجزيهم على الأحسن، وهو الواجب والمندوب، دون المباح.

والثاني: أن الأحسن صفة للجزاء، أي يجزيهم جزاء هو أحسن من أعمالهم وأجل وأفضل، وهو الثواب.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كانت المشقة بالإنفاق العائد ضرره إلى المال، ووطئ مطلق الأرض الذي قد لا يلزم منه وصول إلى ما يغيظ العدو دون المشقة الحاصلة في النفس بالظمأ وما معه من فعل ما يغيظ العدو وينقصه، قدم ذلك على قوله: {ولا ينفقون} ولما كان القليل قد يحتقر، ابتدأ به ترغيباً في قوله: {نفقة صغيرة} ولما كان ربما تعنت متعنت فجعل ذكرها قيداً، قال: {ولا كبيرة} إعلاماً بأنه معتد به لئلا يترك، وفيه إشارة إلى آية اللمز للمطوعين في الصدقات {ولا يقطعون وادياً} أي من الأودية بالسير في الجهاد، والوادي: كل منفرج بين جبال وآكام ينفذ فيه السيل، وهو في الأصل فاعل من ودى -إذا سال {إلا كتب لهم} أي ذلك الإنفاق والقطع، بناه للمفعول لأن القصد الحفظ بالكتابة مطلقاً {ليجزيهم الله} أي ذو الجلال والإكرام، أي بذلك من فضله {أحسن ما كانوا} أي جبلة وطبعاً {يعملون} مضاعفاً على قدر الثبات، وأكدت فاصلة الأولى دون هذه لزيادة تلك في المشقة والنفع، ولذا صرح فيها بالأجر والعمل الصالح- نبه على ذلك الإمام أبو حيان. ومن هنا بل من عند {إن الله اشترى} شرع في عطف الآخر على الأول الذي مضمونه البراءة من المشركين والاجتهاد في قتالهم بعد انقضاء مدتهم حيث وجدوا -إلى أن قال {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله}- إلى أن قال {ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض} ثم قال {انفروا خفافاً وثقالاً} ثم أتبع ذلك قصص المنافقين كما أنه فعل هنا كذلك أن ختم بقوله {قاتلوا الذين يلونكم من الكفار} الآية ثم أتبعها ذكر المنافقين.

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

{ولاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً ولاَ كَبِيرَةً ولاَ يَقْطَعُونَ وادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ} أي كذلك شأنهم فيما ينفقون في سبيل الله صغر أم كبر، قلّ أم كثر، وفي كل واد يقطعونه في سيرهم غادين أو رائحين (وهو مسيل الماء في منفرجات الجبال وأغور الآكام، خصه بالذكر لما فيه من المشقة)، لا يترك شيء منه أو ينسى بل يكتب لهم.

{لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ} بكتابته في صحف أعمالهم.

{أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وهو الجهاد، فإنه عند وجوبه وفرضيته بالاستنفار له يكون أحسن الأعمال، إذ يتوقف عليه حفظ الإيمان، وملك الإسلام، وجميع ما يتبعهما من فضائل الأعمال، يقال: جزاه العمل وجزاه به. كما قال: {ثم يجزاه الجزاء الأوفى} [النجم: 41] والنص على جزائهم أحسن ما كانوا يعملون لا ينافي جزاءهم بما دونه وقد قال آنفا {إن الله لا يضيع أجر المحسنين} وهو فيه، وإنما المراد النص على أن هذا العمل أحسن أعمالهم أو من أحسنها؛ لأنه جمع بين الجهاد بالمال والجهاد بالنفس وما قبله من الثاني فقط، والجزاء على الأحسن يكون أحسن منه على قاعدة {من جاء بالحسنة فله خير منها} [النمل: 89] وبيان ذلك بقاعدة {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160]، وقال بعضهم: إن معنى الجملة أنه تعالى يجزيهم بكل عمل مما ذكر أحسن جزاء على أعمالهم الحسنة، أي في غير الجهاد بالمال والنفس، بأن تكون النفقة الصغيرة فيه كالنفقة الكبيرة في غيره من المبرات. والمشقة القليلة فيه كالمشقة الكثيرة فيما عداه من الأعمال الصالحات.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وإنه على النفقة الصغيرة والكبيرة أجر. وعلى الخطوات لقطع الوادي أجر.. أجر كأحسن ما يعمل المجاهد في الحياة. ألا واللّه، إن اللّه ليجزل لنا العطاء. وإنها واللّه للسماحة في الأجر والسخاء. وإنه لما يخجل أن يكون ذلك كله على أقل مما احتمله رسول اللّه -[ص]- من الشدة واللأواء. في سبيل هذه الدعوة التي نحن فيها خلفاء، وعليها بعده أمناء!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

عطف على جملة {لا يصيبهم ظمأ}، وهو انتقال من عداد الكُلف التي تصدر عنهم بلا قصد في سبيل الله إلى بعض الكلف التي لا تخلو عن استشعار من تحِل بهم بأنهم لقُوها في سبيل الله، فالنفقة في سبيل الله لا تكون إلا عن قصد يتذكر به المنفق أنه يسعى إلى ما هو وسيلة لِنصر الدين، والنفقةُ الكبيرة أدخل في القصد، فلذلك نبه عليها وعلى النفقة الصغيرة ليعلم بذكر الكبيرة حكم النفقة الصغيرة لأن العلة في الكبيرة أظهر وكان هذا الإطناب في عد مناقبهم في الغزو لتصوير ما بذلوه في سبيل الله. وقطع الوادي: هو اجتيازه. وحقيقة القطع: تفريق أجزاء الجسم. وأطلق على الاجْتياز على وجه الاستعارة...وقطع الوادي أثناءَ السير من شأنه أن يتذكر السائرون بسببه أنهم سائرون إلى غرض مَّا لأنه يجدد حالة في السير لم تكن من قبل. ومن أجل ذلك نُدب الحجيجُ إلى تجديد التلبية عندما يصعدون شرفاً أو ينزلون وادياً أو يلاقون رفاقاً.

وفي ذكر {كانوا} والإتيان بخبرها مضارعاً إفادةُ أن مثل هذا العمل كان ديدنهم.