الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةٗ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةٗ وَلَا يَقۡطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمۡ لِيَجۡزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحۡسَنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (121)

والوادي : قال الزمخشري : " الوادي : كل منفرَجٍ من جبال وآكام يكون مَنْفذاً للسيل ، وهو في الأصل فاعِل مِنْ وَدَى إذا سال ، ومنه الوَدِيّ ، وقد شاع في استعمال العرب بمعنى الأرض " . وجُمع على أودية وليس بقياس ، كان قياسُه الأَوادي كأَواصل جمع واصل ، والأصل : وَوَاصِل ، قُلبت الواو الأولى همزة . قال النحاس : " ولا أعرف فاعلاً وأفْعلِة سواه " ، وقد استُدْرِك هذا عليه فزادوا : نادٍ وأندية وأنشدوا :

2555 وفيهم مقاماتٌ حِسانٌ وجوهُهمْ *** وأنديةٌ ينتابها القولُ والفعلُ

والنادي : المجلس . وقال الفراء : إنه يُجمع على أَوْداء كصاحب وأصحاب وأنشد لجرير :

2556 عَرَفْتُ ببُرْقَةِ الأَوْداءِ رَسْماً *** مُحيلاً طال عهدُكَ مِنْ رسومِ

قلت : وقد زاد الراغب في فاعل وأَفْعِلة : ناجٍ وأنْجِيَة ، فقد كَمُلَتْ ثلاثةُ ألفاظ في فاعل وأَفْعِلة ، ويقال : وَدَاه ، أي : أهلكه كأنهم تصوَّروا منه إسالة الدم ، وسُمِّيت الدِّيَةُ دِيَةً لأنها في مقابلة إسالة الدم ، ومنه الوَدْيُ وهو ماءُ الفحل عند المداعبة وماءٌ يخرج عند البول ، والوَدِيُّ بكسر الدال والتشديد في الياء : صغار النحل .

وقوله : { ذلِكَ بِأَنَّهُمْ } [ التوبة : 120 ] ، مبتدأ وخبر ، والإِشارة به إلى ما تضمَّنه انتفاءُ التخلُّف مِنْ وجوب الخروج معه .

وقوله : { إِلاَّ كُتِبَ } ، هذه الجملةُ في محل نصب على الحال مِنْ " ظَمَأ " وما عُطِف عليه ، أي : لا يصيبهم ظمأٌ إلا مكتوباً . وأَفْرد الضمير في " به " وإن تقدَّمه أشياء إجراء له مُجْرى اسمِ الإِشارة ، أي : كُتب لهم بذلك عَمَلٌ صالح . والمضمرُ يُحتمل أن يعودَ على العمل الصالح المتقدم ، وأن يعودَ على أحد المصدرين المفهومين في " ينفقون " و " يقطعون " ، أي : إلا كُتِب لهم بالإِنفاقِ أو القَطْعِ .

وقوله : { لِيَجْزِيَهُمُ } متعلقٌ ب " كُتِب " . وفي هذه الجملة من البلاغةِ والفصاحةِ ما لا يَخْفى على متأمَّله لا سيما لمن تدرَّب بما تقدَّم في هذا الموضوع .