معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّمَا يَعۡمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمۡ يَخۡشَ إِلَّا ٱللَّهَۖ فَعَسَىٰٓ أُوْلَـٰٓئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِينَ} (18)

قوله تعالى : { إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله } ولم يخف في الدين غير الله ، ولم يترك أمر الله لخشية غيره .

قوله تعالى : { فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين } ، وعسى من الله واجب ، أي : فأولئك هم المهتدون ، والمهتدون هم المتمسكون بطاعة الله عز وجل التي تؤدي إلى الجنة .

أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الرحمن النسوي ، ثنا محمد بن الحسين الحيري ، ثنا محمد بن يعقوب ، ثنا أحمد بن الفرج الحجازي ، ثنا بقية ، ثنا أبو الحجاج المهدي ، عن عمرو بن الحارث ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا رأيتم الرجل يتعاهد المسجد فاشهدوا له بالإيمان فإن الله قال : { إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر } .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، ثنا علي بن عبد الله ، ثنا يزيد بن هارون ، ثنا محمد بن مطرف ، عن يزيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزله من الجنة كلما غدا أو راح " .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ، ثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، ثنا حميد بن زنجويه ، ثنا أبو عاصم ، عن عبد الحميد بن جعفر ، حدثني أبي عن محمود بن لبيد ، أن عثمان بن عفان رضي الله عنه أراد بناء المسجد فكره الناس ذلك ، وأحبوا أن يدعه ، فقال عثمان : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " من بنى لله مسجدا بنى الله له كهيئته في الجنة " .

وأخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أنا أبو طاهر الزيادي ، أنا محمد بن الحسين القطان ، ثنا علي بن الحسين الداربجردى ، ثنا أبو عاصم بهذا الإسناد ، وقال : بنى الله له بينا في الجنة " .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّمَا يَعۡمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمۡ يَخۡشَ إِلَّا ٱللَّهَۖ فَعَسَىٰٓ أُوْلَـٰٓئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِينَ} (18)

ثم بين . سبحانه . أن المؤمنين الصادقين هم الجديرون بعمارة مساجد الله ، فقال : { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ الله مَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر وَأَقَامَ الصلاة وآتى الزكاة وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ الله } .

أى : ليس المشركون أهلا لعمارة مساجد الله ؛ وإنما الذين هم أهل لذلك المؤمنون الصادقون الذين آمنوا بالله إيماناً حقاً ، وآمنوا باليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب ، وآمنوا بما فرضه الله عليهم من فرائض فأدوها بالكيفية التي أرشدهم إليها نبيهم - صلى الله عليه وسلم - فهم في صلاتهم خاشعون ؛ وللزكاة معطون بسخاء وإخلاص .

وهم بجانب ذلك لا يخشون أحداً إلا الله في تبليغ ما كلفوا بتبليغه من أمور الدين ؛ ولا يقصرون في العمل بموجب أوامر الله ونواهيه .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : هلا ذكر الإِيمان برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت : لما عُلِم وشهر أن الإيمان بالله قرينته الإِيمان بالرسول . عليه الصلاة والسلام . لاشتمال كلمة الشهادة والأذان والإِقامة وغيرها عليهما مقترنين كأنهما شئ واحد . . انطوى تحت ذكر الإِيمان بالله . تعالى . الإِيمان بالرسول - صلى الله عليه وسلم - فإن قلت : كيف قال : { وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ الله } والمؤمن يخشى المحاذير ولا يتمالك أن لا يخشاها .

قلت : هي الخشية والتقوى في أبواب الدين ، وأن لا يختار على رضا الله رضا غيره لتوقع مخوف : وإذا اعترض أمران : أحدهما حق الله والآخر حق نفسه ، آثر حق الله على حق نفسه .

وقوله - تعالى - { فعسى أولئك أَن يَكُونُواْ مِنَ المهتدين } تذييل قصد به حسن عاقبة المؤمنين الصادقين .

أى : فسعى أولئك المتصفون بتلك الصفات الجليلة من الإِيمان بالله واليوم الآخر . . أن يكونوا من المهتدين إلى الجنة وما أعد فيها من خير عميم ، ورزق كبير .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّمَا يَعۡمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمۡ يَخۡشَ إِلَّا ٱللَّهَۖ فَعَسَىٰٓ أُوْلَـٰٓئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِينَ} (18)

إن العبادة تعبير عن العقيدة ؛ فإذا لم تصح العقيدة لم تصح العبادة ؛ وأداء الشعائر وعمارة المساجد ليست بشيء ما لم تعمر القلوب بالاعتقاد الإيماني الصحيح ، وبالعمل الواقع الصريح ، وبالتجرد لله في العمل والعبادة على السواء :

( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله ) . .

والنص على خشية الله وحده دون سواه بعد شرطي الإيمان الباطن والعمل الظاهر ، لا يجيء نافلة . فلا بد من التجرد لله ؛ ولابد من التخلص من كل ظل للشرك في الشعور أو السلوك ؛ وخشية أحد غير الله لون من الشرك الخفي ينبه إليه النص قصدا في هذا الموضع ليتمحض الاعتقاد والعمل كله لله . وعندئذ يستحق المؤمنون أن يعمروا مساجد الله ، ويستحقون أن يرجوا الهداية من الله :

( فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين ) .

فإنما يتوجه القلب وتعمل الجوارح ، ثم يكافئ الله على التوجه والعمل بالهداية والوصول والنجاح .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّمَا يَعۡمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمۡ يَخۡشَ إِلَّا ٱللَّهَۖ فَعَسَىٰٓ أُوْلَـٰٓئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِينَ} (18)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَأَقَامَ الصّلاَةَ وَآتَىَ الزّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاّ اللّهَ فَعَسَىَ أُوْلََئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ } .

يقول تعالى ذكره : إنما يعمر مساجد الله المصدّق بوحدانية الله ، المخلص له العبادة واليوم الاَخر ، يقول : الذي يصدق ببعث الله الموتى أحياء من قبورهم يوم القيامة ، وأقام الصلاة المكتوبة بحدودها ، وأدّى الزكاة الواجبة عليه في ماله إلى من أوجبها الله له . وَلمْ يَخْشَ إلاّ اللّهَ يقول : ولم يرهب عقوبة شيء على معصيته إياه سوى الله . فَعَسَى أُولَئِكَ أنْ يَكُونُوا مِنَ المُهْتَدِينَ يقول : فخليق بأولئك الذين هذه صفتهم أن يكونوا عند الله ممن قد هداه الله للحقّ وإصابة الصواب .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثنا معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : إنّمَا يَعْمُرُ مَساجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ باللّهِ واليَوْمِ الاَخِرِ يقول : من وحد الله . وآمن باليوم الاَخر يقول : أقرّ بما أنزل الله . وأقامَ الصّلاةَ يعني الصلوات الخمس . ولَمْ يَخْشَ إلاّ اللّهَ يقول : ثم لم يعبد إلا الله ، قال : فَعَسَى أُولَئِكَ يقول : إن أولئك هم المفلحون ، كقوله لنبيه : عَسَى أنْ يَبْعَثكَ رَبّكَ مَقاما مَحْمُودا يقول : إن ربك سيبعثك مقاما محمودا ، وهي الشفاعة ، وكل «عسى » في القرآن فهي واجبة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثم ذكر قول قريش : إنا أهل الحرم ، وسقاة الحاجّ ، وعمّار هذا البيت ، ولا أحد أفضل منا فقال : إنّمَا يَعْمُرُ مَساجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ باللّهِ واليَوْمِ الاَخِرِ : أي إن عمارتكم ليست على ذلك ، إنما يعمر مساجد الله : أي من عمرها بحقها ، مَنْ آمَنَ بالله واليَوْمِ الاَخِرِ وأقامَ الصّلاةَ وآتى الزّكاةَ ولَمْ يَخْشَ إلاّ اللّهَ فأولئك عمارها . فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ المُهْتَدِينَ و«عسى » من الله حق .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّمَا يَعۡمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمۡ يَخۡشَ إِلَّا ٱللَّهَۖ فَعَسَىٰٓ أُوْلَـٰٓئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِينَ} (18)

{ إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة } أي إنما تستقيم عمارتها لهؤلاء الجامعين للكمالات العلمية والعملية ومن عمارتها تزيينها بالفرش وتنويرها بالسرج وإدامة العبادة والذكر ودروس العلم فيها وصيانتها مما لم تبن له كحديث الدنيا ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم " قال الله تعالى إن بيوتي في أرضي المساجد ، وإن زواري فيها عمارها ، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي فحق على المزور أن يكرم زائره " . وإنما لم يذكر الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم لما علم أن الإيمان بالله قرينة وتمامه الإيمان به ولدلالة قوله وأقام الصلاة وآتى الزكاة عليه . { ولم يخش إلا الله } أي في أبواب الدين فإن الخشية عن المحاذير جبلية لا يكاد العاقل يتمالك عنها . { فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين } ذكره بصيغة التوقع قطعا لأطماع المشركين في الاهتداء والانتفاع بأعمالهم وتوبيخا لهم بالقطع بأنهم مهتدون ، فإن هؤلاء مع كمالهم إذا كان اهتداؤهم دائرا بين عسى ولعل فما ظنك بأضدادهم ، ومنعا للمؤمنين أن يغتروا بأحوالهم ويتكلوا عليها .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّمَا يَعۡمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمۡ يَخۡشَ إِلَّا ٱللَّهَۖ فَعَسَىٰٓ أُوْلَـٰٓئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِينَ} (18)

موقع جملة { إنما يعمر مساجد الله } الاستئناف البياني ، لأنّ جملة : { ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله } [ التوبة : 17 ] لمّا اقتضت إقصَاء المشركين عن العبادة في المساجد كانت بحيث تثير سؤالاً في نفوس السامعين أن يتطلّبوا من هم الأحقّاء بأن يعمروا المساجد ، فكانت هذه الجملة مفيدة جواب هذا السائِل .

ومجيء صيغة القصر فيها مؤذن بأنّ المقصود إقصاء فِرق أخرى عن أن يعمروا مساجد الله ، غير المشركين الذين كان إقصاؤهم بالصريح ، فتعيّن أن يكون المراد من الموصول وصلته خصوص المسلمين ، لأنّ مجموع الصفات المذكورة في الصلة لا يثبت لغيرهم ، فاليهود والنصارى آمنوا بالله واليوم الآخر لكنّهم لم يقيموا الصلاة ولم يؤتوا الزكاة ، لأنّ المقصود بالصلاة والزكاة العبادتان المعهودتان بهذين الاسمين والمفروضتان في الإسلام ، ألا ترى إلى قوله تعالى : { قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين } [ المدثر : 43 ، 44 ] كناية عن أن لم يكونوا مسلمين .

واستغني عن ذكر الإيمان برسوله محمد صلى الله عليه وسلم بما يدلّ عليه من آثار شريعته : وهو الإيمان باليوم الآخر ، وإقامُ الصلاة : وإيتاء الزكاة .

وقصر خشيتهم على التعلّق بجانب الله تعالى بصيغة القصر ليس المراد منه أنّهم لا يخافون شيئاً غير الله فإنّهم قد يخافون الأسَد ويخافون العدوّ ، ولكن معناه إذا تردّد الحال بين خشيتهم الله وخشيتهم غيره قدّموا خشية الله على خشية غيره كقوله آنفاً { أتخشونهم فاللَّهُ أحق أن تخشوه } [ التوبة : 13 ] ، فالقصر إضافي باعتبار تعارض خشيتين .

وهذا من خصائص المؤمنين : فأمّا المشركون فهم يخشون شركاءهم وينتهكون حرمات الله لإرضاء شركائهم ، وأمّا أهل الكتاب فيخشون الناس ويعصون الله بتحريف كَلمِه ومجاراة أهواء العامّة ، وقد ذكَّرهم الله بقوله : { فلا تخشوا الناس واخشون } [ المائدة : 44 ] .

وفرّع على وصف المسلمين بتلك الصفات رجاء أن يكونوا من المهتدين ، أي من الفريق الموصوف بالمهتدين وهو الفريق الذي الاهتداء خُلق لهم في هذه الأعمال وفي غيرها . ووجه هذا الرجاء أنّهم لما أتوا بما هو اهتداء لا محالة قوي الأمل في أن يستقرّوا على ذلك ويصير خُلُقا لهم فيكونوا من أهله ، ولذلك قال : { أن يكونوا من المهتدين } ولم يقل أن يكونوا مهتدين .

وفي هذا حثّ على الاستزادة من هذا الاهتداء وتحذير من الغرور والاعتماد على بعض العمل الصالح باعتقاد أنّ بعض الأعمال يغني عن بقيتها .

والتعبير عنهم باسم الإشارة للتنبيه على أنّهم استحقّوا هذا الأمل فيهم بسبب تلك الأعمال التي عُدّت لهم .