غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّمَا يَعۡمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمۡ يَخۡشَ إِلَّا ٱللَّهَۖ فَعَسَىٰٓ أُوْلَـٰٓئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِينَ} (18)

17

ثم وصف من له استئهال عمارة المسجد فقال { إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر } لأن المرء ما لم يعرف المبدأ والمعاد لا يصح منه التوجه إليه . وإنما طوى ذكر الرسول تنبيهاً على أنه واسطة والتوجه الحقيقي من الله وإلى الله ولهذا ورد في الحديث : «المصلي يناجي ربه » وقيل : إن المشركين كانوا يقولون إن محمداً ادعى رسالة الله طلباً للرياسة والملك فلنفي هذه التهمة ترك ذكره صلى الله عليه وسلم . وقيل : دل عليه بقوله { وأقام الصلاة وآتى الزكاة } لأنهما معلومتان من أفعاله صلى الله عليه وسلم ولما في الصلاة من التشهد وقبلها الأذان والإقامة . ثم إن إقامة الصلاة لا ريب أن فيها عمارة المسجد والحضور فيه ، وأما إيتاء الزكاة فإنما كان سبباً للعمارة لأنه يحضر المسجد طوائف الفقراء والمساكين لأخذ الزكاة ، ولأن إيتاء الزكاة واجب وبناء المسجد وإصلاحه نفل والإنسان ما لم يفرغ عن الواجب لم يشتغل بالنافلة ، فلو لم يكن مؤدياً للزكاة فالظاهر أنه لم يشتغل بعمارة المسجد . ثم قال { ولم يخش إلا الله } ليعلم أنه لو أتى المسجد وبناه رياء وسمعة لم يكن عامراً له . فعلى المؤمن أن يختار في جميع الأحوال رضوان الله على غيره فإن ذلك لو ضره في العاجل فسينفعه في الآجل وفي إدخال كلمة «إنما » في صدر الآية تنبيه على أن من لم يكن موصوفاً بالصفات المذكورة لم يكن من أهل عمارة المسجد ، وأن المسجد يجب صونه عن غير العبادة . فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «يأتي في آخر الزمان ناس من أمتي يأتون المساجد فيقعدون فيها حلقاً ذكرهم الدنيا لا تجالسوهم فليس لله بهم حاجة » وعنه صلى الله عليه وسلم : «الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش » وقال صلى الله عليه وآله : قال الله تعالى : «إن بيوتي في أرضي المساجد وإن زوّاري فيها عمارها فطوبى لعبد تطهر في بتيه ثم زارني في بيتي فحقّ على المزور أن يكرم زائره » ومن عمارة المساجد تعظيمها والدرس فيها وقمها وتنظيفها وتنويرها بالمصابيح . فعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم : «من أسرج في مسجد سراجاً لم تزل الملائكة وحملة العرش تستغفر له ما دام في ذلك المسجد ضوؤه » . وفي قوله { فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين } حسم لأطماع الكفار في الانتفاع بأعمالهم فإن الموصوفين بالصفات المذكورة إذا كان اهتداؤهم المستعقب لصلاح حالهم في الدارين دائراً بين عسى ولعل فما ظنك باهتداء المشركين ومغبتهم ؟ وفيه أن المؤمن يجب أن لا يغتر بالله عزّ وجلّ . هذا وقد مر أن بعض الأمة ذهبوا إلى أن «عسى » من الله الكريم واجب . وقال بعضهم : إن الرجاء راجع إلى العباد .

/خ28