فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِنَّمَا يَعۡمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمۡ يَخۡشَ إِلَّا ٱللَّهَۖ فَعَسَىٰٓ أُوْلَـٰٓئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِينَ} (18)

ثم بين سبحانه من هو حقيق بعمارة المساجد فقال : { إِنَّمَا يَعْمُرُ مساجد الله مَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر } وفعل ما هو من لوازم الإيمان من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة { وَلَمْ يَخْشَ } أحداً { إِلاَّ الله } فمن كان جامعاً بين هذه الأوصاف ، فهو الحقيق بعمارة المساجد .

لا من كان خالياً منها أو من بعضها ، واقتصر على ذكر الصلاة والزكاة والخشية تنبيهاً بما هو من أعظم أمور الدين على ما عداه مما افترضه الله على عباده ؛ لأن كل ذلك من لوازم الإيمان ، وقد تقدّم الكلام في وجه جمع المساجد ، وفي بيان ماهية العمارة ، ومن جوّز الجمع بين الحقيقة والمجاز حمل العمارة هنا عليهما ، وفي قوله : { فعسى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ المهتدين } حسم لأطماع الكفار في الانتفاع بأعمالهم ، فإن الموصوفين بتلك الصفات إذا كان اهتداؤهم مرجوّاً فقط ، فكيف بالكفار الذين لم يتصفوا بشيء من تلك الصفات . وقيل : عسى من الله واجبة . وقيل : هي بمعنى خليق ، أي فخليق أن يكونوا من المهتدين . وقيل : إن الرجاء راجع إلى العباد .

/خ22