محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{إِنَّمَا يَعۡمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمۡ يَخۡشَ إِلَّا ٱللَّهَۖ فَعَسَىٰٓ أُوْلَـٰٓئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِينَ} (18)

ولهذا قال تعالى :

18 { إنما يعمر مساجد الله من ءامن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وءاتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين } .

{ إنما يعمر مساجد الله من ءامن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وءاتى الزكاة ولم يخش إلا الله } أي لم يعبد إلا الله { فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين } أي إلى الجنة ، وإبراز اهتدائهم مع ما بهم من الصفات السنية ، في معرض التوقع ، لقطع أطماع الكفرة عن الوصول إلى مواقف الاهتداء والانتفاع بأعمالهم التي يحسبون أنهم في ذلك محسنون ، ولتوبيخهم بقطعهم أنهم مهتدون . فإن المؤمنين ، ما بهم من هذه الكمالات ، إذا كان أمرهم دائرا بين ( لعل وعسى ) فما بال الكفرة وهم هم ، وأعمالهم أعمالهم ، وفيه لطف للمؤمنين ، وترغيب لهم في ترجيح جانب الخوف على جانب الرجاء ، ورفض الاغترار بالله تعالى كذا حرره أبو السعود .

وقال الناصر : وأكثرهم يقول : إن ( عسى ) من الله واجبة ، بناء منهم على أن استعمالها غير مصروفة للمخاطبين ، والحق أن الخطاب مصروف إليهم كما قال الزمخشري : أي فحال هؤلاء المؤمنين حال مرجوة والعاقبة عند الله معلومة ولله عاقبة الأمور .

/ تنبيهات

الأول – قال الزمخشري : ( العمارة ) تتناول رم ما استرم منها وقمّها وتنظيفها وتنويرها بالمصابيح وتعظيمها واعتيادها للعبادة والذكر ، ومن الذكر درس العلم ، بل هو أجله وأعظمه ، وصيانتها مما لم تبن له المساجد من أحاديث الدنيا فضلا عن فضول الحديث .

روى البخاري{[4492]} ومسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح " .

ورويا{[4493]} أيضا عن عثمان بن عفان قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من بنى لله مسجدا يبتغي به وجه الله تعالى ، بنى الله له بيتا في الجنة " .

وأخرج الترمذي{[4494]} عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد ، فاشهدوا له بالإيمان قال الله تعالى : { إنما يعمر مساجد الله . . . } الآية .

الثاني – إنما لم يذكر الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم لدخوله في الإيمان بالله ، فترك للمبالغة في ذكر الإيمان بالرسالة ، دلالة على أنهما كشيء واحد إذا ذكر أحدهما فهم الآخر ، على أنه أشير بذكر المبدأ والمعاد إلى الإيمان بكل ما يجب الإيمان به ، ومن جملته رسالة صلى الله عليه وسلم كما في قوله تعالى{[4495]} { ءامنا بالله وباليوم الآخر } كذا في ( العناية ) .

/ الثالث – في تخصيص الصلاة والزكاة بالذكر تفخيم لشأنهما وحث على التنبه لهما .

الرابع – دلت الآيتان على أن عمل الكفار محبط لا ثواب فيه .


[4492]:أخرجه البخاري في : 10- كتاب الأذان، 37 باب فضل من غدا إلى المسجد ومن راح، حديث 417. أخرجه مسلم في : 5 كتاب المساجد ومواضع الصلاة، حديث رقم 285 (طبعتنا).
[4493]:أخرجه البخاري في : 8 كتاب الصلاة، 65 باب من بنى مسجدا حديث (...). وأخرجه مسلم في : 5 كتاب المساجد ومواضع الصلاة حديث رقم 24 (طبعتنا).
[4494]:أخرجه الترمذي في : 44 كتاب التفسير، 9 سورة التوبة.
[4495]:2 / البقرة / 8.