قوله تعالى : { من جاء بالحسنة } بكلمة الإخلاص ، وهي شهادة أن لا إله إلا الله ، قال أبو معشر : كان إبراهيم يحلف ولا يستثني : أن الحسنة لا إله إلا الله . وقال قتادة : بالإخلاص . وقي : هي كل طاعة ، { فله خير منها } قال ابن عباس : فمنها يصل الخير إليه ، يعني : له من تلك الحسنة خير يوم القيامة ، وهو الثواب والأمن من العذاب ، أما أن يكون له شيء خير من الإيمان فلا ، لأنه ليس شيء خيراً من قوله لا إله إلا الله . وقيل : فله خير منها يعني : رضوان الله ، قال تعالى : { ورضوان من الله أكبر } وقال محمد بن كعب ، وعبد الرحمن بن زيد : فله خير منها بعني : الأضعاف ، أعطاه الله تعالى بالواحدة عشراً فصاعداً ، وهذا حسن لأن للأضعاف خصائص ، منها : أن العبد يسأل عن عمله ولا يسأل عن الأضعاف ، ومنها : أن للشيطان سبيلاً إلى عمله وليس له سبيل إلى الأضعاف ، ولا مطمع للخصوم في الأضعاف ، ولأن الحسنة على استحقاق العبد والتضعيف كما يليق بكرم الرب تبارك وتعالى . { وهم من فزع يومئذ آمنون } قرأ أهل الكوفة : من فزع بالتنوين يومئذ بفتح الميم ، وقرأ الآخرون بالإضافة لأنه أعم فإنه يقتضي الأمن من جميع فزع ذلك اليوم ، وبالتنوين كأنه فزع دون فزع ، ويفتح أهل المدينة الميم من يومئذ .
ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة ببيان جزاء من أحسن ، وببيان جزاء من أساء ، وببيان منهج الرسول صلى الله عليه وسلم فى دعوته فقال - تعالى - : { مَن جَآءَ . . . } .
قوله - سبحانه - : { مَن جَآءَ بالحسنة فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا } بيان وتفصيل لمظاهر علم الله - تعالى - لكل ما يفعله الناس ، الذى أشير إليه قبل ذلك بقوله : { إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } والمراد بالحسنة : كل ما يقوله أو يفعله المسلم من قول طيب ، ومن عمل صالح ، فيشمل النطق بالشهادتين ، وأداء ما كلف الله الإنسان بأدائه من فرائض وواجبات ، واجتناب السيئات والشبهات .
أى : من جاء بالفعلة الحسنة ، فله من الله - تعالى - ما هو خير منها من ثواب وعطاء حسن ، كما قال - تعالى - فى آية أخرى : { مَن جَآءَ بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } فالمراد بما هو خير منها : الثواب الذى يمنحه الله - تعالى - لمن أتى بها .
وقوله - تعالى - : { وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ } تقرير لما قبله ، وبشارة للمؤمنين الذين جاءوا بالحسنات ، بالأمان والاطمئنان .
أى : وهم من الفزع الكائن للناس فى يوم البعث والحساب ، آمنون مطمئنون ، كما قال - سبحانه - : { لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر وَتَتَلَقَّاهُمُ الملائكة هذا يَوْمُكُمُ الذي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } وكما قال - تعالى - : { أَفَمَن يلقى فِي النار خَيْرٌ أَم مَّن يأتي آمِناً يَوْمَ القيامة }
في هذا اليوم المفزع الرهيب يكون الأمن والطمأنينة من الفزع جزاء الذين أحسنوا في الحياة الدنيا ، فوق ما ينالهم من ثواب هو أجزل من حسناتهم وأوفر :
( من جاء بالحسنة فله خير منها . وهم من فزع يومئذ آمنون ) .
والأمن من هذا الفزع هو وحده جزاء . وما بعده فضل من الله ومنة . ولقد خافوا الله في الدنيا فلم يجمع عليهم خوف الدنيا وفزع الآخرة . بل أمنهم يوم يفزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.